تركيا بين المصالح والإرث التاريخي.. بقلم: محمد نور الدين

تركيا بين المصالح والإرث التاريخي.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

السبت، ٧ نوفمبر ٢٠٢٠

لا شك في أن المصالح الوطنية هي هدف كل سلطة في أي بلد. ومن أجلها تعقد الاتفاقات والتحالفات، وتخاض الحروب. ولكن عندما يتعدى البحث عن هذه المصالح للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أو انتهاك سيادتها فإن البحث عن عوامل أخرى خارج المصالح الوطنية يبدو أكثر من ضروري.
 وغالبا ما يطلق قادة حزب العدالة والتنمية في تركيا، ولا سيما رئيسه رجب طيب أردوغان، اتهامات للقوى الخارجية بأنها تعمل على محاصرة تركيا براً، وبحراً، وحصرها ضمن نطاق الأناضول وآسيا الصغرى. ويعطون على ذلك مثالين، الأول العمل على إقامة دويلة كردية في شمال سوريا تفصل تركيا عن العالم العربي، والثاني محاولة الانقلاب عام 2016 لإطاحة رجب طيب أردوغان.
 لكن في العودة إلى الجذور الإيديولوجية لخطاب حزب العدالة والتنمية فليس من الصعوبة العثور على لهجة توسعية واضحة من أجل تغيير الوقائع الميدانية والانقلاب على الحقائق التاريخية، وما يمكن أن يعني ذلك التمهيد لحروب، وتوترات.
 بداية، وبدءاً من عام 2016 كان تركيز أردوغان، بالمطلق، على الدعوة على إعادة النظر في نتائج معاهدة لوزان التي وقعت في 24 يوليو/ تموز 1923 التي أقرت معظم حدود تركيا الحالية. وبفضلها تحررت أجزاء كبيرة من أراضي تركيا وتوحيدها في الجمهورية الجديدة، واعتبر هذا نصراً مطلقاً لمؤسس الجمهورية، مصطفى كمال.
 لكن مع اقتراب المئوية لمعاهدة لوزان خرج أردوغان بأكثر من تصريح، مثل «إنهم يريدون أن يبلّعونا أن لوزان كانت نصراً»، و«الجزر التي يمكن أن تسمع الصوت فيها في بحر إيجه تم التخلي عنها في لوزان». ومن ثم قال «لوزان هي هزيمة، وهي سرقة للميراث الإمبراطوري المعظم». كل هذا في خريف 2016. وفي مطلع 2016 تحدث أردوغان، وإلى جانبه رئيس جمهورية اليونان، عن «الحاجة إلى تحديث لوزان». وكان بذلك يفتح الباب أمام نقاش المستند القانوني الوحيد الذي تأسست بموجبه الجمهورية التركية.
 وفي حسابات المصالح فإن أحداً لا يمكنه تحقيقها من خلال الانقلاب على المعاهدات الدولية، وتمزيقها كما يحاول أن يلمّح، بل أن يفعل أردوغان أحياناً.وهذا يدخل في إطار التوسعات الاستعمارية.
 وفي قلب هذه المطامع التاريخية كان الموقف التركي في الوضع في سوريا، وشمال العراق، المحاذيتين جغرافياً لتركيا.
 وعرفت العلاقات التركية السورية بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة انفتاحاً وازدهاراً أثار حيرة المراقبين. لكن مع بدء الأزمة في سوريا كان التدخل التركي العسكري في شمال سوريا يتخذ من ظهور «قوات سوريا الديمقراطية» من أجل محاولة تطبيق مشروع له جذور تاريخية، لا ينفصل عما كان أردوغان يقول به عن اتفاقية لوزان.
 ويبرز في هذا السياق تركيز حزب العدالة والتنمية على ما يسميه حدود «الميثاق الملّي». وهي الحدود التي رسمها البرلمان التركي عام 1920 واعتبر فيها منطقة شمال سوريا والعراق جزءاً من حدود تركيا الجديدة. وقد تكررت مواقف أردوغان، وقادة الحزب حول ضرورة إقامة «درع تركية» تحل محل الدرع الكردية لحماية الأمن القومي التركي. وبالفعل قامت تركيا بثلاث عمليات تدخل عسكري بين 2016 و2019 احتلت فيها جزءاً كبيراً من شمال سوريا. كما أن الجيش التركي أنشأ في شمال العراق أكثر من عشرين مركزاً عسكرياً كبيراً، وهو عملياً يحتل أجزاء من الأراضي العراقية. ومن هنا هذا الإصرار التركي على عدم التوصل إلى اتفاقيات مع حكومتي دمشق، وبغداد، لأن الخطة هي الاحتفاظ بهذه الأراضي، وتغييرها ديموغرافياً، واجتماعياً.
 كذلك ظهر شعار «الوطن الأزرق» وهو ما يتصل بمحاولة السيطرة على مناطق بحرية يعطي القانون الدولي لليونان الحق بأن تكون جزءاً من مياهها الاقتصادية المنحصرة.
 إن التأكيد على الخلفيات التاريخية للمشروع التركي ينقل الحديث في كيفية مواجهته إلى مستوى مختلف لا يتصل بمجرد المصالح الوطنية. وهو ما يفترض على المتضررين منه أن يضعوا خطة شاملة لوقفه.