ممنوع الدخول.. بقلم: سارة عبد الرحمن الريسي

ممنوع الدخول.. بقلم: سارة عبد الرحمن الريسي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٠

في لحظة مميتة بدأ بها العد التنازلي لإحضار كومة من الأفكار التي تبلورت في صورة عقل أصبحت تجاعيده تنطق بدلاً عنه قائلة «النجدة»، فقد توقفت جميع الأفكار والمشاعر لدي، لذا يرجى من قسم الطوارئ القيام بالإسعافات الأولية لوقف ذلك الجمود الفكري الذي أصاب ذلك العقل المرهف. 
لعل أكثر ما نشاهده في هذه الأيام هو توقف العقول عن التفكير خارج الصندوق مما يجعل فهم آراء ومعتقدات الآخرين أشبه بالمستحيل. 
هذا الفن من التفكير يتطلب مهارة القدرة على الخروج من المألوف مع مراعاة أخذ التدابير الاحتياطية لمواجهة التحديات التي من الممكن أن تواجهك، ولكن ماذا إذا أصبح ذلك العقل مهدداً بالانقراض! 
هنا يقع العقل في زنزانة يعم في أرجائها جو الهدوء والثبات حتى نشاهد الحناجر تنزف صمتاً لأن كل ما في جعبتها قد توقف حينها، لا شيء يمر من داخل ذلك العقل فقد أصابه الجمود الفكري حتى أصبحت حالة السكون التي أصابته مرعبة نوعاً ما وكأنه فقد بصيرته الكاملة! 
لا شك أن العقول الناضجة تستقبل مختلف عوامل التجديد والتغيير لأنها تعلم أن كل ما في الحياة لا يقف على ثبات عقارب الساعة أو دورانها! بل تصنع من كل مرحلة أسلوباً فكرياً جديداً حتى لا تقف في زاوية كتب على بابها «ممنوع الدخول». 
ومن أسباب ذلك الجمود هو الاكتفاء بما يملكه ذلك الشخص من معلومات وأفكار ومعتقدات لذا يجد نفسه قد وصل إلى أعلى درجات المعرفة وهو في الأصل قد تأخر كثيراً في فهم مجريات ومتغيرات الحياة الحالية، رفض الانخراط في مسارات التطوير والتجديد لأنه يظن أن أفكاره الراكدة هي الأصح.
 ومن الملفت أيضاً أن تلك العقول تؤمن في ذاتها إيماناً قاطعاً أنها تملك الحقيقة الصحيحة في المقابل أنها تسعى لتشكيك مصداقية آراء وأفكار الآخرين لتثبت أنه لا شيء يستطيع أن يعترض مسار فكرها المتحجر الذي لم يتحرك منذ زمن حتى أصبح البعض يشكك ما إذا كان هذا العقل قد ولد زمن عمت في أرجائه إشارات المرور الحمراء حتى أصبح التحرك في ذلك المسار خارجاً عن القانون!
 ومن صور ذلك الجمود هو التعصب لأفكار ومعتقدات خاصة لدرجة الرفض للاطلاع على الأفكار المخالفة وإن ظهرت أمامه الدلائل يقلب الطاولة رأساً على عقب ليثبت صحة أفكاره التي تستعدي أن تخضع لإنعاش طارئ حتى لا تصاب بسكتة قلبية مفاجأة! هذا النوع من الجمود الفكري يطلق عليه «الدوغمائية» حيث يصبح بها العقل عقيماً لا ينجب في أحشائه أجنة الأبداع والابتكار. 
أطلق العنان لفكرك وفك من بين أعناقه أغلال السكون والجمود حتى لا يصبح عقلك ميتاً سريرياً في غرفة العناية المركزة مقدماً واجب العزاء لذاته بصوت يكسوه الحزن والأسى بقوله «عظم الله أجرك يا زمن فقد احتويت من بين ذراعيك عقلاً متصلباً أربط على كيانه بغطاء العتمة والظلمة».