اغتيال العالم زاده.. دلالة التوقيت.. بقلم: شرحبيل الغريب

اغتيال العالم زاده.. دلالة التوقيت.. بقلم: شرحبيل الغريب

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠

من يراقب المنطقة عن كثب يدرك تماماً أن ثمة متغيّرات ستحدث. تعَزّزَ هذا السيناريو بعد خسارة دونالد ترامب سباق الإنتخابات الأميركية الأخيرة وفوز جو بايدن برئاسة البيت الأبيض.
سياسة الاغتيالات بحق العلماء سياسةٌ قديمةٌ جديدة تستخدمها دولة الإحتلال الإسرائيلي في ظروفٍ محددّة، إما لتحقيق هدفٍ ما أو لخلط الأوراق في توقيتٍ ما، والمتتبِّع لمجريات اغتيال العالِم الإيراني محسن فخري زاده يدرك تماماً أنّ ما حدث من جريمةٍ لا تغادرها بَصمات الموساد الإسرائيلي الذي لم يترك فرصةً إلا للتحريض على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان آخرها الكشف عن اجتماعٍ ثلاثيٍّ ضمّ كلاً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس وزراء دولة الإحتلال بنيامين نتنياهو مع محمد بن سلمان ولي عهد السعودية وبحضور يوسي كوهين رئيس الموساد الإسرائيلي.
كشفت "نيويورك تايمز" الأميركية نقلاً عن ثلاثة مسؤولين استخباراتيين أن "إسرائيل" تقف خلف اغتيال محسن فخري زاده، مما يجعلنا نطرح سؤالاً عند وقوع جريمةٍ كهذه، لماذا يغتال الموساد الإسرائيلي العلماء بهذه الطريقة؟ بتقديري، لأن الاغتيال المعنوي لا يُجدي مع عقولٍ وهبت نفسها لخدمة بلدها. على مدى عقودٍ، تمّ توجيه اتهاماتٍ مباشرة لجهاز "الموساد" الإسرائيلي باغتيال علماء في ظروف غامضة، وأحيانا بشكلٍ سافرٍ دون أن يتبنّى أو ينفي الإحتلال ذلك بشكلٍ صريح، إما بهدف تخويف العلماء أو لوقف التطوير في المجال العسكري ولا سيما النووي منها، أو منعاً لتجاوز القدرات التكنولوجية لدولة الإحتلال الإسرائيلي. 
في عام 2018 أي قبل عامين، اغتال الموساد الإسرائيلي أربعة من العلماء، أوّلهم م. هشام سليم مراد، طالبٌ لبناني تخصص فيزياء نووية في فرنسا بتاريخ 28-2،  وحسن علي خير الدين، طالب لبناني في كندا بتاريخ 25-2، بسبب أطروحة دكتوراه حول سيطرة اليهود على الإقتصاد العالمي، إذ تلقّى الطالب حسن آنذاك تهديدات إن استمر في بحثه حول اليهود. واغتال الموساد أيضاً المهندسة إيمان حسام الرزة، وهي نابغة فلسطينية وُجدت جثة هامدة في مدينة رام الله بتاريخ 25-3، وكانت تعمل مستشارةً في الكيمياء، ابتزّها ضابط مخابراتٍ "إسرائيلي" قبل مقتلها بمدّة وجيزة، وكان الاغتيال الرابع ضد العالِم الفلسطيني فادي محمد البطش، وهو دكتور مهندس في الهندسة الكهربائية، اغتيل بتاريخ 21/4/ في ماليزيا. 
أما اليوم، فلماذا اغتيال العالم زاده في هذا التوقيت، ما الأهداف والدّلالات؟ من يراقب المنطقة عن كثب يدرك تماماً أن ثمة متغيّرات ستحدث. تعَزّزَ هذا السيناريو بعد خسارة دونالد ترامب سباق الإنتخابات الأميركية الأخيرة وفوز جو بايدن برئاسة البيت الأبيض، والزيارات واللقاءات الثلاثية الأخيرة وجملة التصريحات التي كانت تشي بنيّة جهة ما القيام بعملٍ يخلط فيه الأوراق، في ما تبقى لترامب من وقتٍ قبل مغادرته البيت الأبيض. وباعتقادي، إنّ جريمةً كهذه لم تكن مستبعدةً إطلاقاً خاصةً مع رفع وتيرة التحريض ضد إيران على وجه الخصوص، لكن إذا ما تحدثنا عن أبرز الأهداف من وراء ما جرى، فباعتقادي، يمكن القول أن أوّل الأهداف هو استفزاز إيران ومحاولة جرّها إلى مربّع المواجهة العسكرية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يفتح المجال أمام الولايات المتحدة للتدخل، وبهذا يخلط دونالد ترامب الأوراق ولا يستطيع أحدٌ الاعتراض على ذلك سواءً كانوا من مؤيّديه أ ومن خصومه الآخرين، وبذلك، يحقق ما يخططون له في السرّ بضرب المصالح الإيرانية لا سيما العسكرية منها.   
حالة النشوة والاستعراض التي ظهرت على رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يمكن قراءتها في ذات السياق، وتشير بشكلٍ كبيرٍ إلى مسؤولية دولة الإحتلال الإسرائيلي أو أدواتها عن هذه الجريمة، حيث قال نتنياهو في تغريدةٍ له بعد وقوع الجريمة :"لا أستطيع أن أشارككم ببعض الأشياء التي فعلتها هذا الأسبوع، ولكن أقول لكم أن هناك شيئاً يتحرّك في الشرق الأوسط وأمامنا فترة متوترة".
اغتيال العالم محسن فخري زاده حقق شيئاً لكلٍّ من ترامب ونتنياهو، فترامب لم يكتفِ بأربع سنوات مارس فيها كل أنواع العربدة والبلطجة في المنطقة، وهو الآن على مقربةٍ من مغادرة البيت الأبيض ويبحث عن إنجازٍ يختم به حياته السياسية. أما بنيامين نتنياهو فيهدف بالدرجة الأولى إلى القفز نحو الأمام والخروج من أزماته الداخلية، ويعتبر ما جرى مكتسباً خاصاً له، حيث أن حكومته هشّة وعلى حافة الإنهيار، وبهذه الجريمة يهدف إلى استباق الوقت وتوظيف ما جرى بل ويدفع بكل ما أوتي من قوة لكسبِ  تحالفاتٍ تجعله يتجاوز أزمة الإنتخابات الإسرائيلية القادمة، فيثبتُ فيها نفسه رئيساً لوزراء دولة الإحتلال مرة أخرى. 
ما جرى يستوجب رداً وردعاً إيرانياً، لكنه في الوقت ذاته، يتطلّب عدم الانجرار سريعاً لتحقيق ما يربو إليه ترامب الذي بات يلعب في الوقت الضائع، فمثل هذا التوقيت يحتاج لاستخدام الحكمة وتحكيم لغة العقل بعيداً عن العاطفة وردات الفعل والأخذ بعين الاعتبار المتغيرات في المنطقة.
استشهاد العالم محسن فخري زاده سيدفع إيران كدولةٍ قائدةٍ لمحور المقاومة إلى التمسك أكثر بمشروعها النووي كدولةٍ مؤثرة في المنطقة، من حقّها امتلاك كلّ أسباب القوة والردع وصولاً إلى تحقيق النصر على دولة الإحتلال الإسرائيلي. أما السعودية التي تعقد صفقاتٍ سريّةٍ لشراء أسلحةٍ بموافقةٍ إسرائيلية - وفق ما كُشف عنه خلال الإجتماع الثلاثي الأخير في مدينة نيوم - فلن تجد إلا الإنكماش والإنحسار أو الانكسار والهزيمة.