إدارة المعرفة.. بقلم: سامر يحيى

إدارة المعرفة.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ ديسمبر ٢٠٢٠

 ضروروة مؤسساتية، وتؤكّد على أهمّية الابتعاد عن التنظير والأكاديمية الصمّاء، وضرورة استثمار التقنيات والأدوات والموارد المادية والبشرية والتنظيمية، المستخدمة لجمع وإدارة ونشر واستثمار المعرفة ضمن المؤسسة، وقد عرّفها "كينغ" بأنّها "عملية إيجاد وتكوين وتأكيد والتأكّد من تفهّم المعلومات الضرورية لأداء العمل"، ويرى "ونستون تشرشل" أنّ "امبراطوريات المستقبل هي امبراطوريات العقل".
ومن المنطقي أن التطوّر المعرفي جزءٌ أساس في النهوض المؤسساتي، بعيداً عن التفكير الروتيني اليومي، الذي يمنع الابتكار والتقدّم الملموس، ويحقّق تخلّفاً مهما كان نظرياً يفترض نتائج بناءة. كما أنّ التكنولوجيا والتقنية والآلة لم تكن يوماً لتحلّ محل الإنسان أو تأخذ دوره ومكانته وتؤثّر سلباً على مصلحته، بل على العكس تماماً، تصبّ لمصلحته، ومضاعفة العائد المادي والمعنوي له، لكنّها جاءت نتيجة تطوّر تراكمي مستمر للأداء المجتمعي والعلمي والتقني، بما يحمّل المؤسسات مسؤولية مواكبة هذا التطوّر، واستثمار كلّ ما يجري حولها للنهوض بسرعةٍ وقوّة واتقان، ووعيٍ وإدراكٍ ومعرفةٍ تامّة، بهدف تطوير وزيادة تغذية المتلقّي بالمعلومات الحقيقية واستقطابه لصالح المؤسسة، وفتح الباب أمام المسؤول ليكون أقدر على التعبير وتوضيح الطرق الأفضل لتنفيذ المهام الملقاة على كاهل المؤسسة.
ولا شكّ أن المؤسسة الإعلامية هي الجزء الأساس والذراع اليمنى لإدارة المعرفة، وصلة الوصل بين الجمهور والمؤسسة، ولا تهدف أبداً لتسليط الضوء على السلبيات أو الإيجابيات، إنّما تضييق الفجوة بين المؤسسة وجمهوريها، وتحقيق التفاعل والتشاركية والتعاضد واستقطاب الكفاءات والأفكار، لإيجاد الحلول وإزالة العقبات، أما تسليط الضوء على السلبيات، وتلميع وتشويه سمعة هاذ وذاك، فكفيلة بها الصحف الصفراء، ومواقع التواصل الاجتماعي غير المعروفة الانتماء، ومن ينقل عنها بقصدٍ أو دون قصد، وعلى المؤسسة الإعلامية الرسمية ألا تمدّها بموادٍ دسمةٍ جاهزة تسهّل لها عملية الاستغلال وتوسيع الفجوة ودب اليأس والانزعاج لدى المواطن، أياً كان شعار نشرها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تفعيل دائرة العلاقات العامة، يعتبر مورداً أساسياً لإدارة المعرفة، بحيث تستطيع إيصال الفكرة والهدف والدور المنوط بالمؤسسة لكافّة العاملين، والارتكاز على بيانات منطقية وواقعية للتعامل مع المستجدات والأزمات، وإزالة العقبات لإنجاح العمل المؤسساتي بكافّة قطّاعاته، ما دام الجميع يعمل لأجل الوطن، وتحت ظلّ مؤسسة واحدةٍ تجتمع دورياً للبحث في إدارة الموارد لكل مؤسسة ـ بغض النظر عن التسمية ـ وكلّ ما كانت أقدر على إدارة المعرفة كانت أقدر على معالجة المشكلات والتشابكات والتداخلات، وعدم تحميل المسؤولية، ومنع الانفلات والعشوائية أو العناد الأعمى، الذي يحرف العمل المؤسساتي عن هدفه المرسوم له، ومضاعفة عملية الإنتاج الخدمية أو الإنتاجية... وهنا لا بد من التنويه لأهم واجبات إدارة المعرفة:
ـ الإيمان المطلق بأهمية المعرفة في عملية التأهيل والتدريب والتطوير المستمر.
ـ معرفة دور وطبيعة وآلية عمل كل آلةٍ، فلا يكفي أن نأتي بالتكنولوجيا والآلة فقط، بل بالمعرفة والعلم المرتبط بها، بما يسهّل علينا إجراء الصيانة والمتابعة الدورية، ويختصر الطريق لئلا نضطر لإغلاق المنشأة بحجّة الترميم، أو إعادة استبدال الآلة بحجة الاهتراء.
ـ تتطلّب معرفة تعاطي العامل الذي على احتكاك مع جمهور المؤسسة، أو خطوط الإنتاج، لتحقيق التغذية الراجعة للمسؤول، التي تساهم بتوليد أفكارٍ ووسائل وأدوات لإزالة العقبات ومضاعفة الإنتاج، بعيداً عن تأثير المنظّرين الانتهازيين والمنتفعين وأصحاب المصالح الضيّقة، ويحقّق التوازن البنّاء بين العمل المكتبي والعمل الميداني.
ـ تحقيق العدالة الوظيفية ـ لا المساوة ـ بما يشجّع كلّ عاملٍ للقيام بدوره ومضاعفة إنتاجيته، بعيداً عن الانتهازيين والوصوليين والنجاح الأكاديمي المفترض أن ينتهي بانتهاء امتحان القبول بالمؤسسة.
ـ اجادة وإتقان المسؤول لدوره، ليتمكّن من إيصال المعرفة باقناع ونجاح.
ـ تؤدي لتطوير الأداء المؤسساتي ومنع استغلال التصريحات والأرقام التي يطلقها المسؤول سلباً، وإبداع الحلول لمضاعفة عملية الإنتاج.
ـ تدفع مؤسسات البحث العلمي، لوضع عناوين أبحاث رسائل الماجستير والدكتوراه، انطلاقاً من الحاجة الحقيقية، بالتنسيق مع المؤسسات والقطّاعات كافّة، بهدف ربط العلم بالعمل، بعيداً عن إشغال الباحث وإضاعة وقته بالبحث عن راعٍ واختيار عنوانٍ، قد لا يمتّ للواقع بصلة، كأنّ يعدّ طالب رسالة دكتوراه بعنوان: "الطريقة المثلى لزراعة البن في البرازيل"، ونمنحه عليها تقدير بامتياز، وطبعاً كغيرها تلقى في الدرج، وليس في مكتبة الكلية ولا توزّع على المؤسسات المتخصصة، وهذا ينطبق على كافّة التخصصات دون استثناء العلمية والأدبية.
لا بد أن ندرك بأنّ المعرفة جزءٌ أساس في الاستثمار الأمثل لمرحلة إعادة الإعمار، فنحن لا نبدأ من الصفر، إنّما نستثمر الخبرات والمعارف والتجارب والقدرات والإمكانيات والموارد المادية والبشرية، بغض النظر عن حجمها وخبرتها، التي تؤتي ثماراً يانعةً عندما نبدع بإدارة المعرفة وتوجيه وصناعة الرأي العام وحسن الاستثمار، وتوفير البينة التحتية لتلبية احتياجات المجتمع بشكلٍ مستديم، ومحاربة آفتي الفساد والإرهاب، والقضاء على كلّ محاولات أعداء الوطن من تضليلٍ وتهويلٍ وحصار.