سمات عصر ما بعد «كورونا».. بقلم: مناهل ثابت

سمات عصر ما بعد «كورونا».. بقلم: مناهل ثابت

تحليل وآراء

الاثنين، ١٤ ديسمبر ٢٠٢٠

ثمة عشر سمات رئيسية سيمتاز بها عصر ما بعد «كورونا»، ويمكن قراءتها بوضوح من خلال الإلمام بتجربة ما قبل عصر «كورونا»، ومنذ بدايات عصر المعرفة، وما سبقه أيضاً، ومن خلال معرفة الحاضر، ويمكن تحديدها على النحو التالي:
السمة الأولى: سمة النظام السائد، وحيث إن الأنظمة نوعان: أنظمة قائمة بذاتها، وأنظمة تتكامل مع غيرها، والنظام الذي سيغلب على طبيعة الأشياء عموماً في عصر ما بعد «كورونا» ينتمي إلى النوع الثاني تبعاً لما تفرضه طبيعة النظام الذي ستعمل به جميع الصناعات، وقبل ذلك فإن النظام الكوني ينتمي إلى النوع الثاني، وقد خاضت البشرية في تجربتها الابتكارية منذ ظهور الكهرباء تجربة الاختراعات القائمة على التماثلية ولها نظام قائم بذاته، ثم في الوقت الراهن، ومنذ بدايات عصر المعرفة، بدأت المنتجات الصناعية والاختراعات تأخذ منحى الأنظمة التي تتكامل مع غيرها، وهو ما سيتجسد بوضوح في عصر ما بعد «كورونا»، كأنظمة البيوت الذكية المرتبطة بشبكات إنترنت الأشياء وغيرها كثير من الصناعات، أي أن العصر بدأ يفهم طبيعة الكون ويتصرف في سياقاتها، ويتماشى مع أنظمتها، وهو ما يوجب على الإنسان اجتماعياً إدراك ذلك، فالنظام البشري يفرض التكامل مع الآخر، أي أن الجميع سواسية لهم حقوق وعليهم واجبات، وفي سياق أعم يتكامل النظام البشري مع النظام الحيواني والنباتي، وهذه الممالك الثلاث تتكامل مع البيئة والمناخ ومعطيات النظام الكوني.
السمة الثانية: «التجريب»، حيث سيصبح عصر ما بعد «كورونا» أشبه بالعصر الأول للبشرية، عصر التجريب، والتعرف على معطيات الكون، وسيتم من خلال التجريب إعادة قراءة كل شيء من خلال التكنولوجيا، والتجريب أحد أهم المناهج البحثية، وله نوعان، الأول تجريب في المعامل، والثاني تجريب باستخدام نماذج بشرية، وقد انصرف العالم إلى التجارب المعملية بشكل كبير جداً بعد عصر المعرفة، وستتضح ملامحه ككل في عصر ما بعد «كورونا»، فجميع الأبحاث الصناعية تعتمد على التجربة بنوعيها.
السمة الثالثة: سمة التنبؤ بالمستقبل، حيث تفرض الاكتشافات التكنولوجية اليومية ازدهار حقول التنبؤ بالمستقبل، بخلاف ما عهدته البشرية في العصور السابقة لعصر المعرفة، حيث كانت كل الاكتشافات مرحلية وثابتة نسبياً، ومجال التغيير محدود جداً ومرتبط بتحولات واسعة، ما جعل حقل القدرة على التنبؤ بالمستقبل محدوداً وفي سياقات محدودة، أما في عصر ما بعد «كورونا» فستزدهر مراكز التنبؤ واستشراف المستقبل، وتحديداً تلك التي تتحدث عن سياقات التنمية المستدامة والصناعات المعرفية والسياقات الاقتصادية.
السمة الرابعة: سمة ذاتية التعلم، فجائحة «كورونا» فرضت تحوّلاً عالمياً نحو سياقات التعلم عن بعد، وهو بدوره ما فرض الاعتماد على الذات في اكتساب المعرفة والتعلم، وكنتيجة طبيعية لهذا التحول مع أسباب العصر التكنولوجية فسيكون عصر ما بعد «كورونا» هو عصر التعلم الذاتي والاعتماد على الذات في تطوير الأفراد لمهاراتهم وقدراتهم والارتقاء بمستوياتهم المعرفية والعلمية.
السمة الخامسة: سمة الذهاب من الخاص إلى العام في تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فبعد أن كانت أدوار الجماعة هي المسيطرة، وكانت أهم من دور الأفراد تبعاً لطبيعة الصناعات والأعمال تفرض طبيعة النظام المعرفي في عصر ما بعد «كورونا» على العالم الاعتماد على ممارسة الأعمال عن بعد بنسبة تقديرية هي 90 %، أي الذهاب من الخاص إلى العام ومن الجزئي إلى الكلي خلاف ما كانت عليه مجالات الحياة الإنسانية وطبيعة أعمالها.
السمة السادسة: وهي سمة التعويضية، فوسائل التكنولوجيا وممارستها هي أدوات وممارسات تعويضية في طبيعتها، فهي تفرض معايشة هذه الأدوات وممارسة الحياة بكل سياقاتها من خلالها ما يؤدي إلى التعود عليها ثم التعويض بها عما ينقص الأفراد وعما يلبي احتياجاتهم، وهذه السمة ستكون واضحة جداً في عصر ما بعد «كورونا».
السمة السابعة: وهي سمة تلاشي التمييز بين الذكور والإناث، حيث ستعمل وسائل التكنولوجيا في عصر ما بعد «كورونا» على إلغاء التمييز على أساس الجنس، وبالمقابل سيطرأ تمييز قائم على اعتبارات عملية، بالإضافة إلى محددات أخرى، كالمهارات والوظائف والمعرفة التكنولوجية.
السمة الثامنة: وهي سمة التخفف من أوهام الهجرة وأحلامها، خصوصاً بعد أن قدمت التكنولوجيا جميع امتيازات الهجرة، وتقريب كل بعيد وازدهار حقل ممارسة الأعمال عن بعد وإمكانيتها.
السمة التاسعة: ازدهار التعبيرية، ما يعني أن جيل عصر ما بعد «كورونا» بأكمله، سيمتلك حساً نقدياً نظراً لطبيعة المناهج التعليمية القائمة على التفكير، وأهم الأدوات النقدية هي التعبير فهما متلازمتان بالضرورة، عدا ذلك فإن فضاءات «السوشيال ميديا» وازدهارها يفرض ازدهار التعبيرية بالضرورة أيضاً.
السمة العاشرة: سمة انتقال ميادين القيادة من الواقع إلى وراء الشاشات، فالقادة المستقبليون في عصر ما بعد «كورونا» سيأتون من فضاءات الإنترنت، وهذه سمة ستكون بارزة جداً ضمن سمات عصر ما بعد «كورونا». وللحديث بقية.