العام الصادم والأمل القادم.. بقلم: محمود حسونة

العام الصادم والأمل القادم.. بقلم: محمود حسونة

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٠

عام 2020، لا يشبه غيره من الأعوام في التاريخ المعاصر، لونه قاتم وإيقاع الحياة فيه ممل، واقتصاده متدهور والتواصل الإنساني مؤجل والعلاقات الاجتماعية غير مرغوبة، والطرق شبه مهجورة.. والخلاصة أنه عام أصيبت خلاله الحياة الإنسانية بالشلل وفرض عليها كورونا العزلة والتقوقع خلف الجدران والاختباء داخل البيوت المغلقة. 
 مجموعة من الأحداث الكبرى شكلت ملامح هذا العام الصادم، وعلى رأسها كورونا، وهو لا يريد أن يغادرنا إلا وقد ترك المزيد من الوجع والقيود والآلام، حيث ولادة سلالة جديدة من الفيروس تتفوق على السابقات بسرعة العدوى، وهي التي كشفت عنها وحذرت منها بريطانيا قبل أيام؛ وشهد العام أيضاً زيادة كبيرة في أعداد المصابين بالفيروس اللعين الذي أعاد الانتشار بعد أشهر من الهدوء، وكأنه جيش يغزو أرضنا ويفرض سطوته ويجبر الكثير من دول العالم على العودة للعزل، إضافة إلى التقرير الذي أصدرته «الصحة العالمية» والأمم المتحدة وتوقعتا فيه أن يصيب الفيروس 1.8 مليار إنسان، وكأن ما حدث لا يكفي! كل ذلك فرض توديع العام واستقبال خليفته في مشهد ليس مسبوقاً بعد أن حظرت أوروبا وغيرها من القارات احتفالات أعياد الميلاد، وألقت بظلال قاتمة على مراسم ليلة رأس السنة.
 ورغم كل مآسيه، إلا أن 2020 رفض أن يغادرنا قبل أن يترك بصيصاً من الأمل وكأنه يدعونا للتفاؤل بأن القادم أفضل، بعد التوصل للعديد من اللقاحات التي تؤكد أن العقل البشري قادر على مواجهة التحديات؛ نتمنى أن تحاصر اللقاحات هذا الفيروس خلال 2021، وأن يعيد العام الجديد للإنسان إشراقاته وللحياة ألوان البهجة والأمل، وليمنح الأجيال الجديدة تفاؤلاً بأن المستقبل سيحمل لهم الكثير مما يستحقونه طبياً وعلمياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
 وبدلاً من أن تتوحد الإنسانية ضد هذا الابتلاء، ارتكب الإنسان خلال 2020 العديد من الخطايا ما زاد العام ظلمة وقتامة، حيث جاء مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد على يد شرطي أبيض، ليشعل نار العنصرية من جديد، وبدلاً من أن يكون فلويد ضحية واحدة، خلّف العام العشرات مثله. 
عندما أطل كورونا على البشرية في بداية العام توقع خبراء أن يكون سبباً لنشر السلام في العالم ويقوّض الصراعات العسكرية ويقلل الفتن السياسية، ولكنها لم تكن سوى أضغاث أحلام حيث ازداد صناع الفوضى إصراراً على تنفيذ مخططاتهم الشيطانية، وأشعلوا حروباً في أكثر من بقعة، وما حدث بين أرمينيا وأذربيجان بأصابع تركية ليس ببعيد، وما زالت ليبيا تئن من التدخلات التركية التي جاوزت المدى، ولَم توقفها مفاوضات السلام ولَم تردعها قرارات الشرعية الدولية، ناهيك عن إشعال التوتر في شرق المتوسط والاعتداء على سيادة دول ومحاولة السطو على ثرواتها بأسلوب البلطجة السياسية، وما زالت فصول المآسي تتوالى في سوريا وغيرها.
 الصدمة التي ما زلنا نعيش فصولها وننتظر نهايتها يوم 20 يناير المقبل كانت الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها بايدن الذي يتولى منصبه في ذلك التاريخ، حيث لا يزال ترامب يرفض الاعتراف بنتائجها، ولا يزال يتحدث عن التزوير ليصنع شكوكاً لدى الرأي العالمي ستلقي بظلالها على التجربة الأمريكية في المستقبل بصرف النظر عما ستنتهي إليه هذه المسرحية. 
 الفساد كان حاضراً وبقوة خلال العام المنصرم، وتجسد بشكل جلي في انفجار مرفأ بيروت، وهو الحدث الذي زلزل العالم ولكن أمراء الطوائف في لبنان لَم يحرك لهم ساكناً عدد القتلى ولا المشردين ولا الفضيحة التي شغلت العالم من أقصاه إلى أدناه، ورغم أن الدولة اللبنانية أصبحت في قلب الخطر وشعبها يعيش آلام الفصل الأخير إلا أن ساستها مازالوا يسكنون القصور ويغرقون في الصراع على الحصص والمكاسب غير مبالين بالعواقب المنتظرة. 
 سيذكر التاريخ 2020 باعتباره العام الأسوأ، وسيضعه في مكان قصي وحيداً باعتباره متفرداً في الآلام التي عاشتها البشرية، إلا أنه لن يتجاهل أن الإنسان لم يدعه يغادرنا إلا وقد صنع الأمل وأثبت قدرته على مواجهة التحديات.