عام من العزلة.. بقلم: يوسف أبو لوز

عام من العزلة.. بقلم: يوسف أبو لوز

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٠

بقدر ما كان عام 2020 عام عزلة اجتماعية بصورة أوضح، وتمثل ذلك، في التباعد الجسدي، وانقطاع البشر عن إقامة علاقات اجتماعية فيما بينهم، وبقدر ما الزمن «الكوروني» قد ضغط الحياة، وجعل العالم أصغر من قرية كونية، إلا أن هذا العام في الوقت نفسه كان عام أدب وثقافة وأشكال متباينة من التفكير وصل بعضها إلى «فلسفة» الوباء والحديث، مثلاً عمّا بعد كورونا، وربط ذلك بما قبلها. وبكلمة ثانية لم تكن الثقافة نشاطاً واقفاً، محجوراً عليه كالبشر منذ أن ظهر الوباء في الأسابيع الأخيرة من 2019 في ووهان الصينية، لا بل، إن ربط الثقافة بالوباء بدأ مبكراً عندما عاد بعض الكتّاب الأوروبيين إلى الحديث عن رواية «عيون الظلام» التي صدرت في 981 لدين كونتز، وأحداثها، كما جاء في التعريف تدور في مدينة «ووهان».
وأكثر من ذلك، راحت الصحافة الثقافية في العالم العربي والأجنبي تفرد ملفات خاصة عن أدب الأوبئة في العالم، فسطع نجم روايات ك «الطاعون» لكامو، و«الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، ومن جديد ظهرت أيضاً قراءات وعروض جديدة لروايات عربية وأجنبية تتحدث عن وبائيات كارثية اجتاحت العالم، فقد عادت في عام 2020 إلى واجهة القراءة روايات مثل «دفتر أحوال عام الطاعون» لدانييل ديفو، و«عام الطوفان» لمارجريت آتود، ورغم أن عنوان الرواية يوحي بكارثة تعرّض لها البشر بسبب طوفان، إلاّ أن الرواية تتحدث عن وباء غامض «يطير في الهواء».
عام من الثقافة، حقاً، في عزلة كورونا برواياته وفلسفاته وعلومه التي تتحدث عن الأوبئة إلى متطلبات القراءة اليومية في وقت مطاطي من الحجر القسري أو الإرادي في البيوت، أو بظهور أدب جديد في عام 2020، يمكن أن يطلق عليه أدب كورونا.
بالطبع، إن عاماً واحداً من حيث الزمن المادي والثقافي لا يمكن أن يصنع ظاهرة روائية أو شعرية «كبرى» وبالطبع محورها الوباء، إلاّ أننا تابعنا خلال العام صدور أعمال شعرية، ونثرية وتأملية، موضوعها الواحد هو كورونا.
لقد أوجدت كورونا في شهورها الأولى ما يمكن أن يوصف ب «اليوميات» الخبرية التي كانت وما زالت المادة الأكثر مقروئية بالنسبة للصحافة والإعلام، وتناقلت وسائل الإعلام حكايات لأناس عاديين كانوا بمثابة أبطال روائيين وهم يواجهون مصائرهم بشجاعة أمام فيروس لا مرئي أغلق العالم كله.. حتى أنه أغلق أحياناً الحدود بين الدول.
شكل آخر من أشكال الممارسة الثقافية - إن جازت العبارة - هو انتقال الفعل الثقافي بسبب  كورونا من الواقعي، المنبري، الشعبي، الجماهيري إلى تقنيات إلكترونية تقوم على الصوت والصورة سمّيت خطأ «أنشطة افتراضية»، وفق هذا المصطلح التقني الخاطئ.. أصبحت الثقافة فعلاً افتراضياً، أي غير واقعي أو حتى مفتعل، مع أن الأنشطة الثقافية في هذا العام كلّها حقيقية.
بكلمة ثانية أو أخيرة، أياً كانت عزلة كورونا عزلة عالمية جمّدت وخرّبت اقتصاديات عديدة في العالم، وغيرت الكثير من السياسات الدولية والإقليمية، والعلاقات الاجتماعية والأسرية، إلاّ أن الثقافة في العالم، وبشكل عام، بقيت متوازنة، صامدة في وجه وباء حقير لا يموت رمزياً وعاطفياً ووجودياً إلاّ بالفن.. «قَتَلَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها..»، مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، كما يقول محمود درويش.