عن التعويم وسعر الصرف..بقلم: لمياء عاصي

عن التعويم وسعر الصرف..بقلم: لمياء عاصي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ يناير ٢٠٢١

أصبح الحديث بشأن تعويم العملة بالتزامن مع ارتفاع شبه يومي في سعر الصرف متداولا، في ظل عدم فعالية أدوات السياسة النقدية المستخدمة من قبل البنوك المركزية، خصوصا في حالات الأزمات المالية, إضافة لحديث حاكم المصرف المركزي في لبنان "رياض سلامة " لوكالة رويترز, بأنه لن يجري تعويم الليرة اللبنانية إذا لم يتم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي ,  أي أن الأمر برمته مرهون بصندوق النقد الدولي , ونحن نعرف أن أي إجراء أو قرار اقتصادي يتخذ في لبنان سيكون له انعكاس وصدى على الاقتصاد السوري

السؤال المطروح اليوم، ما معنى تعويم العملة؟؟؟ هل التعويم يتم عادة بطريقة واحدة ؟؟متى تلجأ الدول الى تعويم عملتها؟؟؟ هنا يبرز سؤال آخر , ماهي علاقة صندوق النقد الدولي بموضوع التعويم ؟؟؟

يعرف التعويم، بأنه  نوع من أنظمة سعر الصرف,  يسمح فيه لقيمة العملة المحلية بالتذبذب صعودا أو نزولا أمام العملات الأجنبية, حسب قانون العرض والطلب, وتعرف العملة التي تستخدم سعر الصرف الحر الذي يستجيب لمتطلبات العرض والطلب بالعملة العائمة، بينما العملة الثابتة , قيمتها تتحدد من قبل البنك المركزي مقابل العملات الأجنبية , ويعتبر السعر الرسمي هو  سعر الموازنة العامة للدولة , كما هو الحال بالنسبة للسعر الرسمي في سورية حاليا ، والهدف الرئيسي له هو التقليل من تقلبات سعر الصرف وحماية العملة الوطنية.

تعويم العملة عادة  يكون بطريقتين :

  1. التعويم الحر، وفيه يتم ترك سعر صرف العملة يتغير صعودا ونزولا إلى أن يستقر ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق (العرض والطلب)، ويقتصر تدخل السلطات النقدية - البنك المركزي - على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير، ونجد ذلك التعويم الحر لعملات بعض البلدان الرأسمالية الصناعية المتقدمة ذات الاقتصادات القوية، مثل الدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري.
  2. التعويم المدار: ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب مع لجوء البنك المركزي إلى التدخل أحيانا، حسب بعض المؤشرات مثل، وجود فجوة في سوق الصرف بين العرض والطلب، أو مستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية، هذا التعويم المدار، هو الأكثر شيوعا وتتبعه كثير من البلدان الرأسمالية والنامية،

متى تلجأ الدول عادة الى تعويم عملتها؟؟؟

تاريخيا,  تلجأ الدول الى تعويم عملتها في أوقات الأزمات المالية, حيث تصبح الفجوة بين السوق الموازية والبنك المركزي كبيرة وتكبر يوما بعد يوم , مثل , تايلند لجأت الى تعويم عملتها في عام 1997, في الأزمة المالية التي عصفت بدول جنوب شرق آسيا, حيث خسر البنك المركزي التايلندي ما يزيد عن 600 مليون دولار في ليلة واحدة بمحاولة مستميتة للدفاع عن البات (العملة التايلندية )  , دون نتائج إيجابية, لذلك ولجأ الى صندوق النقد الدولي في عملية تثبيت الأسعار وتعويم عملته.

في ماليزيا، وفي عام 1997 في نفس الأزمة المالية،  لم يلجأ مهاتير محمد الى صندوق النقد الدولي، بعد أن اطلع على شروط الصندوق الرامية الى التحكم باقتصاد ماليزيا لقاء إقراضها وقال جملته الشهيرة " ليذهبوا الى الجحيم ..", واعتمد مهاتير حلولا مالية  ترتكز بشكل أساسي على الموارد الذاتية لماليزيا, وقام بربط الرينغت (العملة الماليزية) بالدولار الأمريكي عند سعر معين , إضافة الى اتخاذ حزمة قرارات الهدف منها ضبط حركة رؤوس الأموال ( صعوبة خروج رؤوس الأموال من ماليزيا ) لأنه كان يخشى المضاربين العالميين الذين دعاهم بـ" قطاع الطرق " في مقال له لجريدة جورنال ستريت 1997 , وبعد تعافي الاقتصاد الماليزي وفي عام 2005, اعلن البنك المركزي الماليزي نيغارا بنك , التوقف عن ربط العملة بالدولار والعودة الى (التعويم المدار) ولكن إذا تجاوز سعر الصرف هوامش معينة يتدخل البنك المركزي الماليزي.

السؤال الأخير : ما علاقة صندوق النقد الدولي بموضوع " تعويم العملة المحلية " ؟؟

إن موضوع تحرير سعر العملة وتعويمها , هو أحد أول الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي, حتى يقوم بإقراض الدولة المعنية التي تلجأ للصندوق المذكور لمعالجة أزمات تمر بها , وشروط الصندوق مؤلفة من عشر نقاط تعرف بــ" توافق واشنطن " .

في سورية، ظل سعر الليرة السورية ثابتا لأكثر من ربع قرن عند مستوى أقل من خمسين ليرة للدولار، ومع بدء الحرب على سورية في عام 2011 , بدأ سعر الصرف بالارتفاع وفقدت الليرة السورية جزءا كبيرا من قيمتها، لأسباب باتت معروفة ومتعلقة بتداعيات الحرب ومنها:

أولا: انكماش الناتج المحلي الإجمالي، ثانيا: الطلب الكثيف على الدولار نتيجة أن معظم الأثرياء والتجار أرادوا أن يحافظوا على قيمة مدخراتهم وكان الدولار هو المخزن الآمن لقيمة هذه المدخرات بديلا عن الليرة السورية، ثالثا: العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية على سورية،

والنتيجة أن سعر صرف الليرة السورية واقع بين مطرقة العقوبات الاقتصادية وسندان المضاربة.

متطلبات استقرار أسعار الصرف:  

  • الاحتياطيات القوية من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، هي أهم مستلزمات السيطرة على سعر الصرف في أي دولة، كي يتمكن من التدخل في سوق الصرف لصالح العملة الوطنية.
  • يجب أن تكون زيادة الإيرادات العامة للدولة والتدخل إيجابيا لتعافي الاقتصاد وكبح جماح التضخم هو بوصلة السياسات الحكومية، سواء من خلال إدارة ممتلكات الدولة من عقارات وأراضي ومؤسسات بكفاءة عالية أو إعادة النظر بالاتفاقيات والسياسات التجارية (الاستيراد والتصدير)، كما تعتبر مكافحة التهرب الضريبي والجمركي والتأميني والفساد بشكل عام من أهم الوسائل وأنجعها في استعادة دور الدولة كمتدخل قوي في الاقتصاد.

أخيرا .... لا بد من فهم تردي الأوضاع الاقتصادية وانعكاساتها في أزمات معيشية خانقة، في سياق الأجواء السياسية والمواقف العدائية لسورية سواء التي تتخذها الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية وغيرها، مما يرفع حدة المصاعب أمام السلطات الاقتصادية والنقدية بالحفاظ على استقرار العملة وحماية قيمتها.