بين التكليف والقيام بالمهمّة.. بقلم: سامر يحيى

بين التكليف والقيام بالمهمّة.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ يناير ٢٠٢١

 يُحكى أنّ شخصاً راجع طبيب تغذية فنصحه بأن يمضغ الطعام عشرون ثانية قبل بلعها، وعندما طبّق النصيحة فوجئ بعدم تبقِّ أيّ نوعٍ من الطعام على الطاولة؛ ويُحكى أنّ شكى أحدهم من أنّ طعم الشاي مرٌ، فأجابه مضيفه لقد وضعت لك السكّر ولكّنك لم تحرّك الكأس بالملعقة لتشعر بطعمه اللذيذ....
اليقين بأنّ كل شيء بوقته إيجابي له أهمية قصوى، بلا تسرّع ولا بطء، بحكمةٍ وتؤدةٍ ونشاطٍ وإتقان، اقتناص الفرص، واستثمار الوقت، ودراسة كلّ موضوعٍ من كافّة جوانبه دون تجاهل زاويةٍ، متوقّعين فرضيات واحتمالات النجاح والفشل والعقبات والتحديّات المتوقّعة، والبدائل المقترحة، انطلاقاً من الإمكانيات المتاحة، وصولاً للنتائج المطلوبة، والأهداف المرسومة، فالوقت لم يعد مناسباً للعمل الروتيني اليومي، ولا الوعود بنتائج مبهرة، ولا القبول بالحدّ الأدنى من العمل، ولا المديح  على جزءٍ من مهام الشخص أو المؤسسة، التي أوكلت إليها المهمة ووضعت تحت تصرّفها موارد مادية وبشرية، حتى أنّ الظروف التي نحتجّ بها ليست مبرّراً لأيّ تقصيرٍ، لأنّ الحرب الإرهابية والحصار على سوريتنا كان وما زال وسيستمر طالما ستحافظ على كرامة أبنائها، فما نظنه اليوم ربحاً في الغد، قد ينقلب خسارةً، وما نقترحه اليوم ظناً أنّه إيجابياً، قد ينقلب في الغد عقبةً، لتجاهله زاويةً أو ركناً عدا عن خسارة الجهد والوقت والمال.
 إن المسؤولية الكبرى تتحمّلها المؤسسات الوطنية استناداً لدورها ومهامها الموكلة إليها، بعيداً عن التبرير والاعتراف بالتقصير والفشل تحت شعار الشفافية والمصداقية والوعود اللا مدروسة، وبعيداً عن إصدار القرارات والقوانين والتعاميم تحت شعار التطوير والتحديث والإصلاح، دون أن نلمس أثراً آنياً لها، يتطوّر مع المستقبل، ولن يكون الحل بتشكيل لجان أو تكليف مؤسسة بالقيام بدورٍ أو الإشراف عليه، والذي هو بالأصل من صلب مهامها وتخصصها الذي أنشئت لأجله، ولا مجرّد إصدار قرارات وقوانين متجاهلين كلياً سلبيات وإيجابيات القوانين السابقة وثغراتها، ولا الطلب من مؤسسةٍ ما أن تقوم بعملٍ، أو تتابع ملفاً، أو تشكّل لجنة هو بالأصل من مهامّها، ورصدت لها مبالغ وموارد مادية وبشرية للقيام بدورها المنوط بها، ولا بزيادة الجهات المسؤولة عن ملفٍ ما، ولا خصخصة معملٍ أو شركةٍ أو مؤسسة، إنّما الحلّ هو بالمحاسبة والمراجعة الدورية انطلاقاً من الموجود، وصولاً لإزالة الثغرات والعوائق ومعالجة التحدّيات والمشكلات، التي تؤدي تلقائياً للتطوير والتحديث والتغيير والإنشاء والإلغاء الحقيقي المنشود، عبر التعاون والتعاضدٍ وتحمّل المسؤولية المؤدي لزيادة الإنتاجية وتجاوز السلبيات والأخطاء، المساءلة والمناقشة والحوار بإتقانٍ ونوعية، لا بكمٍ وأرقام، بحكمةٍ لا بتحكّم، بسرعةٍ لا بتسرّع.
 الوفر المادي، لم يكن من خلال إعادة الجزء الذي خصص للمؤسسة في موازنتها، وإنّما بالاستثمار الأمثل لموارد المؤسسة ومضاعفة إنتاجيتها وعائدها أنّى كان تخصّصها، ما عدا ذلك تقصيرٌ ممنهج ومقصود، وتخلّف عن أداء المهام، ويجب محاسبة القائمين عليها، أياً كانت المبررات والحجج الواهية، فشتّان بين رقمٍ حسابي ومعادلة إنتاجية، بين تأهيل وتدريب وابتكار، وبين أكاديمية صمّاء تشجّع الإهمال والاتكّال والتنظير البعيد عن الواقع، وبين وعود وتسويف وتبرير، وبين لمس نتائج حقيقية تتّسع مع الأيام، وبين يأسٍ وانعدام ثقة وتوسيع فجوةٍ، وبين تعاون وتعاضد وتفهّم متبادل بين الشعب ومؤسساته، تلك المؤسسات التي عمالتها هم أبناء الوطن، وليسوا من كوكبٍ آخر، وشتّان بين البحث العلمي الذي يكون عبر لقاءات ومحاضرات ونقاشات تنتهي إلى الأدراج، ووريقات جامدة، وبين إعدادٍ أبحاثٍ تنطلق وتطبّق في أرض الواقع، وجيل قوي مبدع نلمس آثاره بدءاً من طلبة المرحلة الابتدائية وصولاً لأعلى المراتب العملية والعلمية، بخروجهم من مدارسهم بانتظام واحترامٍ لقدسية الشارع ونظافته والمدرسة والحي والحديقة وعدم صنع الضوضاء والفوضى البصرية، واحترام مدرّسيه، والممتلكات العامة والخاصة، ونتّهمهم وذويهم، متجاهلين أنّ لهم مؤسستين متخصصتين أولاها "التربية" والمفترض تأهيلهم للمراحل الأعلى وليكونوا بناةً حقيقيين للمجتمع وتحمّل المسؤولية والالتزام الوطني. وأهمّية قيام كلّ مؤسسة بضبط العاملين لديها، لتخلق جيلاً يحترم مؤسسته التي ينتمي إليها، لا يستغّل اسمها، ولا يشوّه سمعتها لأغراض شخصانية دنيئة، بل يبذل كلّ جهده لتنمية مواردها انطلاقاً من المهام الموكلة إليه محترماً القانون الالتزام بالنظام، وقدوةً للجميع.
بلا شكّ الحرب الإرهابية والحصار المفروض على سوريتنا، وأدواتهم في الداخل، لهم الدور الأكبر فيما أصابنا، وبفضل صمود وتماسك الشعب والجيش والقيادة، تم إفشال الكثير مما خطّط لهذا البلد، لكن لا يعفي المؤسسات من مسؤوليتها وتقصيرها لأنّها تخلّت عن الكثير من المهام الملقاة على كاهلها، ولم تخرج من النفق الضيّق الذي رسمته لنفسها، ولم تحرّك ملعقة السكّر في كأس الشاي، ولم تمضغ الطعام جيداً وبالوقت المناسب، ولم تستثمر جهود هذا الشعب بكامل فئاته واوردته وشرايينه المقيم والمغترب، فبالمتابعة الجادّة وتحمّل المسؤولية والروح الوطنية، نقطع الطريق على كلّ من يحاول التسلل لتوسيع الفجوة، ونساهم بتحقيق التنمية المستدامة، والإصلاح الحقيقي، وإلا سنبقى ندور في حلقةٍ مفرغةٍ.