برد.. دافئ.. بقلم: رشاد أبو داود

برد.. دافئ.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ فبراير ٢٠٢١

مذيعات النشرة الجوية يقرأن حالة الطقس. تتحدث كل منهن عن موجة برد قادمة، أو تنبئك عن منخفض جوي في الطريق. ومعظم من يتابعهن قد يكون جالساً أمام مدفأة حطب، عليها إبريق شاي يغلي.
لكن كل ذلك لا يدفئ فراش فقير، أو يمنع المطر من التسرّب عبر ثقوب خيمة في مخيم لاجئين، أو من خلال ألواح «الزينكو» في قرية فقيرة. هناك لا يكترثون بالنشرة الجوية أو بمذيعاتها الجميلات، فلديهم خبرة اكتسبوها من أجدادهم وجداتهم بأحوال الطقس وتقلباته.
فالشتاء الذي يتكون من 90 يوماً، ينقسم إلى قسمين في غالبية الدول العربية هما: الخماسينية.. والمربعانية التي تمتد أربعين يوماً تبدأ من 21 ديسمبر من كل عام، وتتسم أيامها بالبرد الشديد.
تليها الخماسينية وتتكون من خمسين يوماً تبدأ من 30 يناير وتستمر حتى يوم الاعتدال الربيعي في 22 مارس من كل عام، وتنقسم إلى أربعة أجزاء كل جزء يتكون من 12.5 يوم، وهي ما يطلق عليه «السعودات». تبدأ بسعد الذابح الذي يكون من 1-13 فبراير، يتبعه «سعد بلع» أو «سعد ابلع» من 13- 25 من نفس الشهر، ثم يأتي سعد السعود من 26 فبراير حتى 10 مارس، وآخرها سعد الخبايا من 10- 22 من نفس الشهر، ليبدأ فصل الربيع بزهوره ووروده وثماره.
لهذه «السعودات» حكاية كانت تحكيها لنا جدتي، قبل «صوبة» الجاز والكهرباء والتدفئة المركزية، حول كانون «منقل» النار المدفون فيه حبات البطاطا الصغيرة والكستناء إن كان بالإمكان شراؤها.
تقول الحكاية التي تلخّص فصل الشتاء إن سعد كان في طريقه للسفر، فنصحه أبوه أن يتزود بفروة وقليل من الحطب خوفاً من البرد، وعلى عادة الشباب، اعتبر سعد كلام والده تخلّفاً فلم يسمع نصيحته. ولكن ما أن بلغ منتصف طريق سفره حتى هبّت ريح باردة وهطل مطر وثلج بغزارة ولم يكن أمامه سوى ذبح ناقته وهي كل ما يملك، ليحتمي بجلدها فصار «سعد الذابح»، وبعد ساعات دب الجوع في معدته، ولم يجد أمامه سوى أحشاء الناقة ولحمها للأكل وهكذا كان «سعد ابلع» والمسكين من شدة الجوع بلع الناقة بعظامها، ولما ظهرت الشمس خرج سعد فرحاً من مخبئه وفرحاً بنجاته فصار «سعد السعود». وحرصاً منه على متابعة طريقه دون صعوبات ومخاطر، قام بصنع معطف له من وبر الناقة، وحفظ في ما تبقى من الوبر ما زاد من لحم الجمل وهكذا كان «سعد الخبايا».
ويبقى الشتاء فصل المطر والخصب والحنين، كما يقول محمود درويش: «وللحنين فصل مدلل هو الشتاء». إنه فصل الذكريات، كما يقول ديستويفسكي :«الشتاء بارد على من لا يملكون الذكريات الدافئة».
وماذا نفعل في الشتاء؟
أيقظ ذكرياتك وتدفأ. ازرع بذورك وانتظر. انظر إلى عري الشجر وتأمّل. راقب سرب حمام عند الغروب وحلق، استمع لضحكات البحر واستمتع. لا تخشَ الغرق فالربيع آتٍ، فما بعد العطش إلا الارتواء، وما بعد صقيع الفراق إلا حرارة اللقاء.
* كاتب أردني