ماركيز.. الحب والموت.. بقلم: د. حسن مدن

ماركيز.. الحب والموت.. بقلم: د. حسن مدن

تحليل وآراء

السبت، ٢٠ مارس ٢٠٢١

مرة سأل صحفي والد الكاتب الشهير جابرييل ماركيز، عمّا إذا كان، أي الوالد، جرّب أن يكتب أدباً، قصة قصيرة مثلاً، فأجاب أنه فكرّ جدياً في ذلك، وأن ما فكر فيه هو قصة حب، وفي غمرة تفكيره في الأمر، جاءه اتصال هاتفي من أحد أبنائه يسأله عن معنى مفردة «انكلافيجار»، المستخدمة في الميدان اللاسلكي، لكون الوالد يعمل فيه، ومعنى المفردة «تشابك الخطوط».
هذا السؤال جعل الوالد يظن أن ابنه السائل يعرف عن الموضوع الذي كان يفكر في الكتابة عنه، أي «تشابك الخطوط» في قصة الحب التي في ذهنه.
لم يكن الابن صاحب السؤال سوى جابرييل ماركيز نفسه، الذي استعاد هذه الحكاية وهو يتحدث في حوار صحفي آخر عن تجربته في كتابة روايته «الحب في زمن الكوليرا»، التي يقول إنه استوحى الجزء المتصل بالحب بين بطليها، فرمينا وفلورنتينو، وهما شابان، من فترة خطوبة أمه لأبيه، فيما «اخترع» هو الجزء الثاني من قصة البطلين عندما أصبحا عجوزين، حتى إنه، من أجل إنجاز الرواية، سافر إلى حيث يسكن والداه، وأجرى مقابلات منفصلة مع كل واحد منهما، حول تفاصيل حبهما، وهما شابان.
الصحفي الذي حاور ماركيز سأله عن سبب تخصيصه رواية عن الحب، وفي زمن الشيخوخة بالذات، وهو الذي لم يفعل ذلك في رواياته السابقة، فأجاب أن فكرة الرواية كانت تراوده قبل نيله جائزة «نوبل» للآداب، حتى إنه كان كتب بالفعل فصلها الأول، ولكن ما أهدره من وقت، والتعبير له، بعد نيله الجائزة بسبب كثرة الأنشطة والمقابلات، حمله على التوقف لفترة، وحين عاد، بعد عامين، للفصل الذي كتبه وجد نفسه يمزق الصفحات ويبدأ من جديد.
لكن الأهم من هذا ردّه على دهشة الصحفي من أن تكون الشيخوخة هي المرحلة التي اختارها الكاتب لقصة الحب التي حكتها الرواية، حيث أوضح ماركيز أن الحب يظهر في أي سن، وبالتجليات نفسها، وبتعبيره، فإنه «الروح السليمة في الجسم السليم»، ملاحظاً أن الأسئلة حول الرواية كانت عن الموت الذي يقترب منه الحبيبان، لكونهما عجوزين، لكنهما وجدا في الحب ملاذهما، فالموت في رأيه، هو في فقدان الحياة لمبرراتها، ويبدأ الموت عندما يستسلم الإنسان لهذا الشعور.
وعندما سأله الصحفي هل هو شخصياً يخشى الشيخوخة ثم الموت؟ أجاب أنه يخاف الظلمة ولكن لا يخاف الشيخوخة، كما يخيفه فعل الموت، الذي يشغله، ككاتب، أكثر، ولكنه متأكد أن الموت «هو الشيء الوحيد الذي لا يستطيع معالجته بقلمه».