إعادة تشكيل الأيام.. بقلم: نور المحمود

إعادة تشكيل الأيام.. بقلم: نور المحمود

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ مارس ٢٠٢١

الذهول الأول الذي أصاب البشر مع بداية انتشار فيروس كورونا، أنه يفقد من يصيبه حاستي التذوق والشم. هكذا عرف الإنسان فعلياً كيف تصبح الأشياء بل الحياة بلا طعم ولا رائحة، وبكل معنى الكلمة، وكلما طور الوباء نفسه  (أو ربما هناك من يطوره وفق نظرية المؤامرة والحرب العالمية الثالثة) كلما فقدت كل المناسبات نكهاتها وروائحها، وفقد كل الناس سواء من أصيب بكورونا ومن لم يصب، القدرة على الاستمتاع بملذات الحياة وبجمال المناسبات أياً كانت.
وصل الربيع وتكلل بيوم الأم، لكنه لم يأت ببهائه المعهود. ونحن على مشارف شهر رمضان، نتلهف للقاء الشهر الفضيل، لكن في الحلق عالقة نكهة كورونا؛ كل شيء صار بلونه ومدموغاً ببروتوكلاته، تباعد وكمامات وحذر، حتى الضحكات مكتومة ومؤجلة. 
البعض يطوي صفحات القلق والحذر سريعاً، ويراهن على عودة الحياة إلى طبيعتها في أقل من شهر، بينما لا شيء فعلياً يوحي بزوال الجائحة، والعالم كله يقف في طوابير «اللقاح»، الأمل الوحيد للقضاء على «كوفيد 19» أو على الأقل تجاوز صدمات أعراضه والتمكن من السيطرة عليه. بيوت الأزياء والمجوهرات العالمية، تراهن على أن رمضان 2021 سيكون أفضل من رمضان 2020، لذا أطلقت تصميمات خاصة بهذا الشهر، ولعل أولها دار أزياء «ديور» التي تضع عينها على المرأة الشرقية، وقد أصدرت لها مجموعة خاصة برمضان تخاطبها بكلمات عربية وبلون الذهب. 
ربما هو التفاؤل الذي نستشفه من خلال تمرد البعض على حالة الركود التي يعيشها العالم رغماً عنه. طبيعي أن يكون هدف «ديور» وغيرها تجارياً، لكن خلف البُعد التجاري هناك شيء من القفز فوق القلق الذي يصيبنا بنوع من الشلل أحياناً، فتجدنا لا نعرف شكل الغد ولا نخطط له، حتى لا نعرف شكل العام الدراسي المقبل إن كان سيبقى على ما هو عليه اليوم، و»الهجين» سيكون هو المنهج التعليمي الحديث للمستقبل، أم ستتغير الأساليب والمناهج!
بعض اللمسات يعيد للحياة نكهتها رغماً عن كورونا المصر على التحكم بحواسنا وقطع أنفاسنا. نرسم بريشة الأمل شكلاً جديداً لطقوسنا، نعيد برمجة أيامنا وفقاً لتعرجات الحاضر ومطبات الوباء، نتحايل عليه، نتذوق الحياة بشكل آخر، نرفع معدلات الإحساس بالأشياء والتفاصيل لنستمتع بها دون أن تفلت قوانين الحذر والوقاية من بين أيادينا. نضحك على الحاضر، بأدوات الحاضر فنستغلها ونعيد تشكيل الأيام ونشم رائحتها ونستطعم فرحتها رغماً عن الجائحة.