أزمة الإعلام العربي.. بقلم: أحمد مصطفى

أزمة الإعلام العربي.. بقلم: أحمد مصطفى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢١ أبريل ٢٠٢١

باستثناءات قليلة جداً، يواجه الإعلام العربي أزمة حقيقية تتفاقم يوماً بعد يوم. وليس القصد هنا فقط أزمة مالية مع تراجع العائدات للمؤسسات الإعلامية في ظل التحول الرقمي الذي بدأ منذ سنوات، ولا حتى المنافسة القوية التي تتعرض لها منافذ الإعلام التقليدي من مواقع التواصل على الإنترنت، وإنما القصد هو أزمة الهوية من ناحية، والمهنية الصحفية من ناحية أخرى. وهما في الواقع جانبان متداخلان للأزمة التي نقصدها.
على صعيد المهنية، كان التأثير الأكبر لمواقع التواصل التي لم يستفد الإعلام التقليدي منها، بالتعامل معها على أنها روافد له أكثر من منافس، جعله يتخلى عن كثير من قواعد المهنة ويحاول مجاراة تلك المنصات بمنافستها على أرضيتها. وكانت النتيجة أن فقد الإعلام التقليدي قدراً كبيراً من القيمة لمصلحة تلك المواقع، وهذا في النهاية جعل الفبركات والتلفيقات تنتشر على حساب الخبر الموثوق، والتحقيقات والتحليلات ذات المصداقية.
ولم يستفد الإعلام التقليدي من عودة المسؤولين والجمهور إليه كمصدر موثوق خلال عام وباء كورونا، في مواجهة انتشار الخرافات والتضليل ونظريات المؤامرة حول الوباء وسبل مكافحته. وكانت تلك فرصة ذهبية ليثبت الإعلام التقليدي حاجة الحكومات والجماهير للصحافة الجادة المهنية، لكن مرة أخرى انساق الإعلام التقليدي إلى أخذ المبادرة من مواقع التواصل، واستمر على نهج اعتبارها منافسة له، وبالتالي كسبت تلك المنصات لأن «اللعب على أرضيتها» يجعلها متقدمة.
ولأن أغلب مؤسسات الإعلام التقليدي تعاني من أزمة مالية، وهو أمر لا تختلف فيه عن بقية المؤسسات المماثلة في العالم، فكان التركيز على محاولة زيادة الأرقام والنسب على الإنترنت، باعتبار أن ذلك يمكن أن يزيد العائدات. لكن ذلك جاء على حساب المهنية والمصداقية، باستثناءات نادرة.
والواقع، أن ذلك هو الحال تقريباً مع مؤسسات الإعلام التقليدي حول العالم. لكن هناك منافذ رئيسية تمكنت من تطوير وجودها الرقمي بما زاد من عائداتها، وحافظ على استمراريتها، مع احتفاظها بمصداقيتها وقيمتها المهنية. تلك المنافذ لم تفكر أبداً في منافسة مواقع التواصل، بل شكّلت في الواقع بديلها الجاد والرصين. وهذا ما مكّنها، فيما بعد، من مواجهة نقص التوزيع للمطبوع، أو الاستماع والمشاهدة للإذاعي والتلفزيوني بتقديم محتوى رقمي مدفوع الأجر.
الأزمة الحقيقية، وهي مرتبطة بالمهنية الصحفية أيضاً، هي أزمة الهوية. ولا تقتصر تلك المشكلة على الجمهور العربي المتلقي لمنافذ الإعلام العربية، بل ينسحب أيضاً على أهمية تلك المنافذ كحامل لرسالة بلده ومنطقته للعالم. كانت منافذ الإعلام في السابق واضحة الهوية والتوجه، أما الآن فأصبح من الصعب التفرقة بين أغلبها على أي أساس. وأتصور من أسباب ذلك الرئيسية هي غياب المهنية الصحفية لأسباب عدة، لا تقتصر على الأوضاع الاقتصادية الضاغطة على الوسائل الإعلامية فقط.
وربما ذلك ما جعل الجماهير، وحتى المسؤولين، يلجأون لمواقع التواصل كوسيلة للتفاعل وطرح المعلومات والآراء.
والأكثر أهمية، في تصوري، أن معظم الإعلام العربي تحوّل إلى وسيلة «حديث مع نفسه»، بمعنى أنه قناة توصيل أشبه بأن «تعظ المؤمنين» – كما يقول المثل الانجليزي – وليس الضالين بهدف «إعلامهم» وتنويرهم. فالمغالاة، ومحاولة الإثارة لزيادة الأرقام على الإنترنت انضمت إلى مونولوجات الحوار على الشاشات. والكل يتحدث بلغة المتلقي ليبلغه بما يعرف، ويصدعه بما لا يؤثر فيه، في الأغلب.
والنتيجة أنه حتى معرفتنا بالعالم من حولنا أصبح مصدرها الإنترنت ومواقع التواصل، ومنافذ الإعلام الأجنبية، لأن إعلامنا العربي لا يبذل جهداً في وضع أخبار العالم في سياق يخصنا ويركز في التقرير والتحليل على حقيقة ما يجري حولنا وله علاقة بنا بشكل أقرب للموضوعية.
وفي الاتجاه الآخر، لم يعد العالم يتعامل مع الإعلام العربي باعتباره «الناطق بصوت..»، فلن تجد رأياً أو تحليلاً عميقاً يعكس موقف بلد ما، حكومته وشعبه، من قضايا العالم، إلا فيما ندر. وباستثناء بعض القوى التي لها مصلحة في تشويه واقعنا، لا تجد منفذاً إعلامياً عربياً بالانجليزية أو الفرنسية يقدم محتوى يعكس موقف العرب من قضاياهم وقضايا العالم. وللأسف، تلك المنافذ القليلة التي تصدر عن لندن، أو غيرها، إنما تستخدم في تضخيم مثالبنا كعرب لأغراض سياسية. لذا، لا يأخذها العالم على محمل الجد. وكان الأجانب في الماضي يطلون على ترجمة بعض مواد منافذ الإعلام العربية، أما اليوم فلم يعودوا يهتمون، ونحن لا نهتم بأن نوصل رسالتنا بلغة الآخرين. وإذا كان لنا أن نفعل، لا أتصور أن المحتوى الصحفي والإعلامي الحالي ملائم أصلاً.