التنظير الواقعي.. بقلم: سامر يحيى

التنظير الواقعي.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ أبريل ٢٠٢١

 سنوات طويلة وهو يعالج نفسه من ألم في المعدة، وعند مراجعة الأطباء يكون بإعطاء المسكّنات والمساعدات الهاضمة وما شابه من الأدوية، لا سيّما عند اعتمادهم على كلام المريض والتشخيص اليدوي... وبعد تشخيصٍ شاملٍ متكامل، يفاجئ بأنّ المشكلة التي يعاني منها بعيدةً كل البعد عمّا يفكّر به، ولكن تضاعفت تكلفة إزالة الألم، وانعكاساته السلبية على الجسد رغم أنّه يقول الحمد لله لم يصب بالأسوأ، وينسى أنّه كان بإمكانه أن يبقى بصحّة أفضل....
إذاً سوء التشخيص، أو التشخيص لناحيةٍ واحدةٍ وتجاهل كل الاحتمالات الأخرى هي المشكلة التي تعمّق المشكلات، والإصلاح الإداري المفترض أن يدرس كل النواحي، وإلاّ فهو مجرّد أسلوب كلامٍ وعملٍ روتيني، ومهما ادّعينا مواكبة التطوّرات ومتابعة المتغيّرات، ونصدر القرارات فإنّها تبقى الحد الأدنى الطبيعي لسير الحياة الروتينية، بعيداً عن إي إبداعٍ أو اختراعٍ أو تقدّم أو مضاعفة العملية الإنتاجية الحقيقي، والاكتفاء بالتسليم بالأمر الواقع والروتين الأقل من الطبيعي، لأننا نوجّه الأنظار لزاوية نعتبرها مقدّسة ونتجاهل بقية الجوانب... هذه المشكلة ليست فقط في صحة جسد الإنسان بل في صحّة الوطن، وصحيح أنّ الوطن مهما حاول الأعداء حصاره، واستغلال أدواتهم داخل وخارج الوطن، والظروف التي تساعدهم على تنفيذ مخطّطاتهم، في ظلّ قصور مخطّطاتنا أو إهمالها وتحميل المسؤولية للآخر، وتلبية مصالحنا الشخصية على حساب الوطن وأبنائه، بعيداً عن الشعارات والنظريات البرّاقة التي نرفعها، فمن يبحث عن الحلول الحقيقية يجب أن ينظر للنتائج الحقيقية على أرض الواقع، فصحيح في الرياضيات أن الصفر زائد واحد يساوي واحد، ولكن بكل تأكيد ستتغير المعادلة كلّما غيّرنا مدخلاتها، لتدفع عملية الإنتاج او تؤخرها،  وهذا يشمل كل القطاعات، وحتى ضمن كل قطّاع وفق المدخلات التي نحتاجها والمخرجات التي نرجوها...
إنّنا في عصر التكنولوجيا، عصر التقنية، عصر الرقميات، ولكن بالتأكيد لن يكون عصر الرقميات عصراً روتينياً، أو نأخذ جوانبه التي تشمل التقنية، ونرفعها شعاراً، ونتجاهل الكثير من الجوانب التي تحقّق الفائدة الحقيقية الجدية من وجود التكنولوجيا لصالح الإنسان، فلا زال الإنسان هو الأول والأخير لأنّه هو الذي يبرمج هذه التقنية لتكون لخدمته وتسهّل أعماله، وهو الأقدر على معرفة كيفية استثمارها بالشكل الصحيح الأمثل، ولكن يبقى مجرّد شعارات فارغة مهما حقّقنا من أرباحٍ روتينية إن لم ندرس كافّة جوانب الاستفادة من هذه التكنولوجيا، فهل يا ترى قمنا بدراسة فوائد وإيجابيات وسلبيات البطاقة الذكية، التي من المفترض أن تكون عند دراستها بشكلٍ جديّ ومن كل النواحي تساهم في عملية إدارة الموارد بشكلٍ جدي، واستثمار أمثل لها، وجباية حقيقية للضريبة، ومعرفة مستوى الدخل والإنتاج والاحتياجات... إلخ، ولن نرى أخطاءً لأنّها درست بشكلٍ جدي، وتطبيقها على أرض الواقع سيقدّم لنا مفاجآت إيجابية لا العكس.  
صحيح ما أكثر المنظّرون، ولكن التنظير الحقيقي النابع من أرض الواقع، والمطبّق على أرض الواقع هو الذي يساهم في ابتكار الأفكار، فكم من الأفكار والأدوات العلمية رأيناها في الكتب والمجلّدات والروايات والمقالات، وحتى في المسلسلات والأفلام ومن ثم تم تفعيل العقول لتطبيقها على أرض الواقع والاستفادة منها، ودور المثقّف أن يعيد إنتاج أفكاره وصياغتها، ففي كل صياغةٍ هناك فكرةٌ جديدة تولد، أما البقاء في نص القانون وحرفيته بعيداً عن التشاركية والوطنية، ونتعامل بجمادٍ بعيداً عن التفكير بمصلحة الوطن واستثمار موارد الوطن المادية والبشرية،
ألسنا نضيّع الكثير من الجهد والوقت في العمل الروتيني اليومي، فنمنع أو نعطي بحجّة تطبيق التقنية الجديدة، أو القرار الجديد، ونتجاهل أنّ المفترض عملية التطبيق عند الدراسة الجدية النظرية، لن تكون لديها عقبات وتحديّات بل نتائج إيجابية، فليس دائماً الاستثناء هو الخطأ، وليس دائماً المساواة هي الحل، فشتّان بين أن نساوي بين موارد منطقةٍ وأخرى، وعاملٍ بشريٍ هنا وهناك، ومؤسسة إنتاجية دورية، أو موسمية، أو إنتاجية صناعية واقتصادية إلى اخره، حتى في المؤسسة نفسها نتجاهل، أن نتخصص هذا القسم يختلف عن تخصص القسم الآخر، وبالتالي الإصلاح الإداري ليس مجرّد شعاراً نرفعه للمراوحة بالمكان، والتفاؤل بالمستقبل، بكلّ تأكيد المستقبل سيكون أفضل من كل النواحي المادية والمعنوية والإنتاجية لأنّ هذه طبيعة تطوّر الحياة، الإصلاح الإداري الحقيقي، والاتمتة الحقيقية، والبطاقة الذكية هي التي تفعّل عملية الإنتاج، وتضاعفها، وتحقق وفراً مادياً ومعنوياً، وتلبية لمتطلّبات المواطن، سواءً كان عامل في القطاع العام أو الخاص أو مغتربٍ أو مقيم أو أياً كان، وتستطيع المؤسسات الوطنية تلبية متطلّباته ودفعه للالتزام بحقوقه، وبالتالي لن نحتاج لفتح ضبوط ومخالفات ومعاقبة وما شابه، لأنّ التنظير بات واقعاً حقيقياً يلبي متطلّبات الجميع.. وسينعكس ذلك على كل شيء دون استثناء...بسرعةٍ دون الانتظار لسنواتٍ ونؤمّل أنفسنا بالمستقبل، ونفرح بالنذر اليسير ونحمّل المسؤولية للعقبات والتحديّات ونبرّر لأنفسنا الأخطاء ...
إنّ مقارنة نفسك بذاتك، بمواردك وإمكانياتك المادية والبشرية، وبالتحدّيات والعوائق والعقبات، وبشعبٍ حيوي وحيّ متجدّدٍ معطاء، هي التقييم الحقيقي والتقويم المنطقي لمضاعفة عملية الإنتاج وتلبية حقوق المواطنين والتزامهم بواجباتهم وبنائهم الروحي والمادي والمعنوية، عدا ذلك، مجرّد سير حياةٍ روتينية نخسر الكثير الكثير مهما بدا أنّه ربحاً.