خطر الإهمال في اللغة.. بقلم: عبداللطيف الزبيدي

خطر الإهمال في اللغة.. بقلم: عبداللطيف الزبيدي

تحليل وآراء

السبت، ٢٤ أبريل ٢٠٢١

هل صحا علماء اللغة العرب من المفاجأة الصادمة، أم أنها كانت شديدة إلى حدّ عدم إحساسهم بها حتى الساعة؟ القلم يرجّح المشهد الأخير بدليل أن حرّاس العربية لم يفعلوا شيئاً، لم يحركوا ساكناً طوال سنوات طويلة، منذ ظهور الظاهرة.
عندما كثر استخدام لوحة مفاتيح الهواتف النقالة، فاجأ المراهقون الرأي «العائم» بأبجدية ليست كالأبجديات، بكلمات ليست كالكلمات، بكلمات كاللكمات. تعرفون القصة: الحاء 7، الخاء5، الطاء 6 إلخ...
مرّت السنون على ذلك الحادث الجلل الغريب، ولم تطرف عين للغويين وعلماء النفس والاجتماع والتربية والتعليم. اللّهم لا شماتة، وإلاّ لقلنا: لمَ لم يزد أهل المعلوماتية الطين بلّة، ويبتكروا لوحة مفاتيح خصّيصاً للأبجدية العربية المهجّنة، فلن تكسد لها سوق، وسيلحق الكبار بالركب حتى يدركوا ما تسطر بناتهم وأبناؤهم من عجائب الحروف التي هل نقول استعربت أم استغربت؟
أولئك المؤتمنون على مصير لغتنا، المسؤولون عن كل صغيرة وكبيرة في تحوّلات مجتمعاتنا، نظروا إلى الأبجدية المبتدعة بوصفها طيش مراهقين. إذا انصرفت أذهان الخبراء العقلاء إلى أن تيّاراً كهذا، ليس سوى «لعب عيال»، فبماذا تنعت تلك العقول، التي لا ترى السيول، والأذهان، التي لا تبصر الطوفان؟ كان المتصوّر هو أن يستشعر أهل الشأن الخطر، فيأخذوا الحذر، قائلين: النشء الجديد يرى أن العربية لا تلبّي متطلباته، أن الأبجدية لا تفي بحاجاته، فهل لغته معلولة، مشلولة؟ هل ينبغي لجيل من العرب أن يضرب عرض الحائط بقصيدة رائعة عصماء كدرّة التغزّل بمفاتن العربية لحافظ إبراهيم؟ قد لا يكون سلوك الجيل الجديد سليماً، ولكن سريان النار في الهشيم على طول الخريطة العربية وعرضها، له ألف دلالة، سوف تحتاج إلى تفسير وتعبير، وتأويل وتحليل. الإهمال سيحدث صدعاً لا يمكن رأبه، وقد يقوم عليه بنيان يصعب إصلاح اعوجاجه أو هدمه.
المهملات من هذا القبيل، التي لم تجد من يواجهها بالمقبول من الحلول، ستكثر وتتفاقم، وستجد من يبتدع لها المخارج، إلى أن يرى الناس أنفسهم أمام لغة عربية كاللاتينية، ولهجات أضحت لغات، مثلما نشأت الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، البرتغالية، الرومانش والرومانية. التاريخ ساخر ودعابته مُرّة. هنا تتجلى أهمية مراكز البحوث والدراسات الاستشرافية، للتحقيق في ما يمكن أن يؤول إليه أمر أدقّ ظاهرة تطرأ.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: العربية طريفة، ثلاثي «همل» فيه الإهمال، إهمال المشكلات، وفيه الانهمال، الفيضان، انهمال المعضلات.