الجائحة والتسلح.. والأولويات.. بقلم: علي قباجة

الجائحة والتسلح.. والأولويات.. بقلم: علي قباجة

تحليل وآراء

الأحد، ٢ مايو ٢٠٢١

بينما كانت البشرية جمعاء تتعرض لفيروس خبيث فتك بالملايين، ودمّر اقتصادها مسبباً انكماشاً رهيباً لم يُشهد له مثيل خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحطم آمال أجيال كاملة، وكشف هشاشة المنظومات الصحية في بعض البلدان بسبب عدم جاهزيتها لمواجهة مثل هذا الوباء، فإن بعض حكومات العالم كانت في واد آخر، عبر زيادة إنفاقها العسكري، وضخّ الميزانيات لتعزيز ترسانتها من الأسلحة الفتاكة، بهدف التربص ومواجهة بعضها بعضاً.
 هذا التناقض، كشفه تقرير لصندوق النقد الدولي الذي أشار إلى أنه في ذروة جائحة «كورونا»، فإن العالم أنفق نحو تريليوني دولار على اقتناء السلاح، لينتعش بذلك هذا السوق، بينما كان العالم يرزح تحت وطأة الجوع. 
إذ أظهرت تقارير عدة، أن الوباء رفع عدد الفقراء في العالم إلى عشرات الملايين، وتسبب بفقدان الملايين لوظائفهم.
 الإنفاق العسكري العالمي بلغ في عام 2020، نحو 1981 مليار دولار، ولم يتم إنفاق هذا القدر الكبير من الأموال منذ 1988، في زمن كانت فصول الحرب الباردة لا تزال متواصلة بين المعسكر الأمريكي من جهة، والاتحاد السوفييتي، من جهة أخرى. الصندوق أرفق في تقريره أرقاماً صادمة، إذ إن نمو الاقتصاد العالمي قد انخفض بنحو 4.4 في المئة بسبب الجائحة، إلا أن نفقات التسلح في العالم بلغت 2.4 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، وفق التقرير السنوي للمعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، أي بزيادة تقدر ب2.4 في المئة مقارنة بعام 2019.
 ارتفاع نسبة الإنفاق في خضم الانتكاسة الاقتصادية، يوضح الانفصام العالمي، وحجم التوترات التي تسكن أركانه، بل وتتفاقم، فملايين القتلى بالفيروس، وعشرات ملايين الإصابات التي تتزايد يوماً بعد آخر، لم تحل دون الإنفاق على آلات الدمار والموت، حتى لو كان ذلك على حساب أرواح مواطنيها. فالولايات المتحدة والصين والهند وروسيا وبريطانيا كانت أكثر 5 دول إنفاقاً في عام 2020، وشكّل إنفاقها مجتمعة 62% من الإجمالي العالمي، وكانت أمريكا الرائدة في الإنفاق الدفاعي، حيث بلغ زهاء 778 مليار دولار، بزيادة قدرها 4.4% عن عام 2019، فيما شكلت 39% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي في 2020 بعد 7 سنوات من التخفيضات المستمرة.
 المفارقة أن هذه الدول هي الأكثر تأثراً بالوباء، فقد فتك بمئات الآلاف في أمريكا وروسيا، بينما الهند الآن في وضع لا تحسد عليه مع ظهور متحوّر جديد، حيث الإصابات فيها يومياً تزيد على 350 ألف إصابة وآلاف القتلى، بينما المرضى يموتون على أبواب المستشفيات مع وصولها إلى طاقتها القصوى.
 العالم مطالب اليوم بتحديد أولوياته نحو توجيه طاقاته لرصد ما يهدد البشرية، وتطوير أدوات المواجهة لها، لا أن يتحرى آلة الفتك بالبشر.  فبدلاً من الإنفاق على السلاح، فالأَولى بناء المشافي ومراكز الأبحاث العالمية، لأن الأوبئة هي التهديد الحقيقي.