الوباء.. والتسليح.. بقلم: أحمد مصطقى

الوباء.. والتسليح.. بقلم: أحمد مصطقى

تحليل وآراء

السبت، ٨ مايو ٢٠٢١

نتيجة أزمة وباء كورونا العم الماضي، هناك قطاعات اقتصادية استفادت بشدة وأخرى تضررت بشدة. فإذا كان قطاع السفر والسياحة والترفيه والتجزئة تضررت بشدة، فإن قطاعات التكنولوجيا والاتصالات الرقمية والتسوق الالكتروني مثلا استفادت بشدة.
لكن هناك قطاعا استفاد بشكل غير مباشر من عام أزمة وباء كورونا، هو قطاع الصناعات العسكرية. فحسب تقرير معهد استوكهولم لأبحاث السلام العالمي (سيبري) زاد إنفاق العالم على التسلح العام الماضي بنسبة 2.6 في المئة عن عام 2019.
وأنفقت دول العالم نحو تريليوني دولار على التسلح مما أدى إلى زيادة صادرات السلاح للدول المصنعة، خاصة الولايات المتحدة، بنسب كبيرة.
وحتى الدول التي لا تعتبر تقليديا في مقدمة منتجي ومصدري الأسلحة، كالسويد مثلا، شهدت ارتفاعا كبير في صادراتها من الأسلحة العام الماضي.
وكمثال واضح، ارتفعت صادرات سويسرا (البلد الذي يشتهر بالحياد عالميا) من الأسلحة العام الماضي إلى ما يقارب مليار دولار بزيادة بنسبة 24 في المئة عن العام السابق.
أما برلمان السويد فأقر زيادة في الانفاق العسكري بنسبة 40 في المئة على مدى السنوات الخمس المقبلة. كذلك فعلت الحكومة البريطانية بتخصيص عشرات المليارات للإنفاق العسكري لتطوير قدرات البلاد الدفاعية، خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وكانت بعض التوقعات العام الماضي أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا حول العالم ستدفع الحكومات إلى خفض الإنفاق العسكري وتقليص التسلح لمواجهة عجز الميزانيات وارتفاع الدين العام. لكن الواقع أن العكس هو ما حدث وزادت دول العالم مخصصات التسليح والانفاق العسكري.
وفي مقابلة مع "الفاينانشيال تايمز" مؤخرا يقول رئيس مجموعة ساب للصناعات الدفاعية إن وباء كورونا أدى إلى زيادة المخاطر الجيوسياسية ودفع دول العالم للإنفاق أكثر على التسلح.
وجاء ذلك في معرض تعليقه على زيادات صادرات شركته من الأسلحة والمنتجات الدفاعية لبريطانيا ودول أوروبية أخرى، إضافة إلى تلبية الطلب المحلي في السويد.
ويبدو ذلك متسقا إلى حد كبير مع مخالفة الواقع لتوقعات كثيرة توصل إليها البعض في غمرة وباء كورونا العام الماضي. فبدلا من أن تدفع مكافحة الوباء، الذي ضرب البشرية كلها دون تفرقة وفي كل مكان تقريبا، العالم إلى مزيد من التعاون والتعاضد حصل العكس.
في البداية، ومع أزمة الأجهزة الطبية ومعدات الوقاية، تسابقت دول العالم بأنانية شديدة – إلا في حالات نادرة – لتكديس تلك الأجهزة والمعدات رغم النقص العالمي فيها. ووصل التنافس في بعض الأحيان إلى سرقة شحنات منها أو المزايدة بالسعر من قبل بلد غني على شحنات مخصصة لبلد اتفق عليها قبلا.
ثم بعد ذلك، وعندما تم التوصل إلى لقاحات لمكافحة الوباء، شهدت عمليات توزيع انتاج الشركات المحدود منافسة حامية واستحوذت الدول الغنية – أو التي انتجت شركات فيها اللقاح – على النصيب الأكبر بغض النظر عن حاجة مئات الملايين في دول أخرى للقاح لضمان توزيع منطقي يؤدي إلى مناعة عالمية، تضمن ألا ينتقل الوباء مجددا حتى للدول التي توسعت في التطعيم باللقاح.
والواقع أن وباء كورونا، بدلا من أن يعزز الشعور بوحدة البشرية في مواجهة الأخطار الشاملة التي تهددها، زاد من المشاعر القومية والمغالية في الوطنية إلى درجة أصبحت في بعض الأحيان تمثل خطرا جيوسياسا.
تلك المشاعر القومية المتصاعدة ربما كانت من أهم العوامل وراء ارتفاع الانفاق العالمي على التسلح. ليس بالضرورة لشن الحروب وإنما بغرض الردع والاستعداد للدفاع عن المصالح الوطنية في الدول المختلفة.
بالطبع هناك أسباب أخرى لتصاعد المشاعر القومية والتحسب لتهديدات وطنية لدى كثير من دول العالم، لكن لا شك أن أزمة وباء كورونا زادت من تلك المشاعر ودفعتها في بعض الأحيان إلى حدود تقترب من التوتر. والمثير حقا، هو أن تلك المشاعر القومية المتصاعدة لم تساعد في مواجهة الوباء واحتوائه.
وهناك ملاحظة يغفل عنها كثيرون، هي أن الدول التي غذت تلك المشاعر هي الأكثر تضررا من انتشار الوباء من حيث أعداد الاصابات والوفيات، وبالتالي الأقل قدرة على احتواء الوباء حتى الآن.
قد يرى البعض أن أزمة وباء كورونا ربما عززت التعاون العالمي في مجالات أخرى، مثل الصحوة الحالية لمكافحة التغير المناخي. إنما لا يمكن إغفال أن التوجه نحو انتاج طاقة مستدامة أقل تلويثا للبيئة، وغير ذلك من المشروعات "الخضراء" المستهدفة، إنما ينظر إليه على أنه ابتكار لقطاع جديد في الاقتصاد العالمي يضمن تعافيه بقوة من أزمة وباء كورونا مع تشبع القطاعات التقليدية ووصولها إلى حدود توسع أقل.