قدسية الرسالة ... بقلم: سامر يحيى

قدسية الرسالة ... بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٤ يونيو ٢٠٢١

رغم تصادف موعد تكريم البروفيسور "بيل نوردهاوس" لحصوله على جائزة نوبل للاقتصاد، مناصفةً مع زميلٍ له، إلّا أنّه أصر على إعطاء محاضرته الجامعية، ومن ثم الذهاب لتسلّم الجائزة... من جهة أخرى بعض المدارس التربوية ترفض منح علامة صفرٍ لطالبٍ ولو كانت ورقة الإجابة بيضاء تحت شعار "يكفي أنّه تكلّف عبء المجيء وثمن المواد وحضور الدرس"..
وما أكثر الأمثلة التي تؤكّد أهمية الرسالة التربوية والتعليمية وقدسيتها، فهي ليست صمّاء بل تشاركية تفاعلية توعوية هادفة لبناء مجتمعٍ سليم منتج، وأول من يجب أن يؤمن بها هو حامل الرسالة نفسه، ليتمكّن من عكسها على طلبته أولاً والبيئة المحيطة به وصولاً للمجتمع ككل، والمفترض على حامل هذه الرسالة أن يتحمّل عبء فشل تلامذته، لأنّه فشل في استقطابهم، وإيصال الفكرة إليهم، وبالتالي إعادة تقييم وتقويم العملية التربوية والتعليمية بدءاً من القائمين عليها، إضافةً إلى القائمين على العملية الإدارية والتأهيلية في كل المؤسسات بهدف تطوير الأداء ومضاعفة الإنتاج كلٌ ضمن تخصّصه واختصاصه.
على سبيل المثال هل يعجز المدرّس، بغض النظر عن وضعه المادي أو العائلي ..... إلى ما هنالك من حججٍ وتبريرات سلبية، أن يتكلّم مع المتلقّي بدقيقتين عن مشكلة اعترضته أو فكرة توعية يجب عليه إيصالها، ومن ثم شرحاً مبسّطاً لربط الدرس الماضي بالدرس الحالي للغوص في غمار المعلومة الواجب عليه إيصالها، ومن ثم يترك خمس دقائق من أجل النقاش البنّاء وإغناء ما ورد وهذا كلّه يمكن للمدرس القدير أن ينجزه خلال أقل من ثلاثة أرباع الساعة إن استغلّينا الوقت بشكلٍ صحيح، لا سيّما أن المنطق يفترض أنّ من وضع المنهج الدراسي أنّه سينجز بشكلٍ كاملٍ، ووقت إضافي للمراجعة، وليس هناك حجّة لضيق الوقت لعدم اكمال المنهاج... والبعض قد يقول أن السبب هو عدم قدرة المعلمين على إعطاء المنهاج وفق المقرّر، لضيق الوقت والعطل، أو ضعف المدرّسين، ولكن الحل بسيط لا سيّما نحن في عصر التكنولوجيا والتقنية، والتحوّل الرقمي، من الواجب استثمارها بلقاءات نوعية توعوية توضيحية استثمارية لأفكار ورؤى الجميع دون استثناء أحد، للاستعداد للعام الدراسي القادم، لا سيّما نحن على أبواب الخطوات الفعلية للاستعداد للعام الدراسي المقبل، فاللقاء مع الكوادر التعليمية والتربوية والإدارية كلّ ضمن تخصصه واختصاصه وحضور كلّ صناع القرار، سيكون مثمراً، أكثر من رأي فرديٍ لمدير أو حاشيته، مهما كان مطلّعاً ولديه بيانات، لأنّه تبقى البيانات والرؤى والأفكار النابعة من القائمين مباشرة على العملية التربوية والتدريسية أكثر قوّة وإيجابية وديمومة، من أجل تطوير المناهج وتعديلها من الذي أعدّ المنهاج نفسه، والمدرّس غير القادر على اكتساب معلومة من كلّ درسٍ أو محاضرةٍ يلقيها على طلبته لا يستحق أن يكون مدرّساً.
إنّ هذه العملية وأداء الرسالة على أكمل وجه لن يكون عائقاً أمام حصول حامل الرسالة على مورد مالي إضافي أو مضاعفة دخله الشهري، كما لن يكون عائقاً أمام عدم حصوله على عائدٍ ماليٍ يلبي كافّة احتياجاته، لأن العملية الإنتاجية الفاعلة ستولّد عائداً لصالح المؤسسة، أو من يفكّر بالبحث عن عائدٍ إيجابيٍ لتحقيق ذلك، كما أنّ الطالب الذي يريد دروساً خاصةً سيبقى يطلبها للحفاظ على تفوّق التفوّق. بكل تأكيد هذا أكثر نفعاً وفائدةً من تعديل وطباعةٍ للكتب بحجّة التطوير، ونتجاهل تطوير أداء المعلّم بالدرجة الأولى التي ستولّد تلقائياً مناهج متطوّرة محاكية للواقع، ومؤهلةً لجيل مثقّفٍ مدرك لواجباته وحقوقه، مؤمن بدوره.
 العلم والمعرفة عملية تراكمية مستمرة تفاعلية ومنتجة، والمناهج التي ندّعي أنّه صمّاء هي التي خرّجت كبار المتفوّقين على مستوى الوطن والعالم، وأثبت السوري قدرته على العطاء والإبداع أينما ذهب وأنّى كانت الظروف بفضل هذه المناهج، فهل يعقل أنّنا كلما أردنا أن نخطو خطوةٍ تحت شعارٍ ما أن ننسف تاريخاً بأكمله، ونتجاهل إنجازاتنا بنجاحاتها وفشلها، لنكتشف بعد فترة أننا نبدأ من الصفر، ثم نعود لنبدأ من الصفر مجدداً، لنبقى ندور في حلقةٍ مفرغةٍ، مستكينين للشعارات البرّاقة والوعود الذهبية، مكتفين بسير الحياة الروتيني الطبيعي، وما زلنا نناقش ونتكلّم...
إنّ قول كونفوشيوس: "إذا كانت خطتك لعام واحد فأزرع الأرز، وإذا كانت خطتك لـ ١٠ أعوام فازرع الاشجار، وإذا كانت خطتك لـ ١٠٠ عام فقـُم بتعليم الأطفال"، كلام غير منطقي في بلدٍ لديه مؤسسات لكل تخصّصٍ، ونستطيع السير على خطىً متوازنة بكل الاتجاهات والنواحي، فقط عندما يؤمن كلٌ منا بقدسية الرسالة المكلّف بها، وهذا ينطبق على كلّ المؤسسات دون استثناء.