مصارحات امرأة ...بقلم:الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

مصارحات امرأة ...بقلم:الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

تحليل وآراء

السبت، ٢٦ يونيو ٢٠٢١

كما أن لكل إنسان بصمة خاصة به فإنه يمتلك رؤيته الخاصة للحياة المتبلورة من خلال خبرته وتفاعله مع البيئة التي ينتمي إليها والثقافة المحيطة به.

لكل إنسان هوية خاصة به وهي في حالة تطور وتغير مستمر وفق تفاعلها مع مجريات الواقع، لا أحد يُشبه الآخر.. لكل إنسان تجربته.. أفكاره.. أحلامه.. أهدافه.. تمثله للواقع مختلف وفي الاختلاف وجه آخر، قد يفاجئنا.. يثيرنا.. يحرك نوازعنا نسعى للتماهي معه وربما يخيفنا ويزلزل كياننا.. نوازع مختلفة يحركها ولكل وجه حقيقته.

ففي الاختلاف حياة أخرى.

كل إنسان يحمل في ذاته قصته.. أحلامه.. معاناته.. لا أحد يستطيع أن يكون بمكان الآخر، حتى لو تعاطف معه لأن تجربته تختلف، وبالتالي تمثله للواقع يكون بشكل مختلف فهو يمتلك رؤيا مغايرة، ويكفي الإنصات جيداً للآخر لأدركنا ذلك، وهذا ما يدعونا للابتعاد عن إطلاق الأحكام على الآخرين وتوجيه النقد لهم ،

وإذا أمعنا النظر اكتشفنا أن المشكلة الحقيقية تكمن في ذاتنا لأننا اعتدنا على نموذج تقليدي نتبعه وكل ما يخالفه يُربكنا ربما لأننا لا نفهمه أو لأننا بكل بساطة لا نستطيع أن نكون مثله، فلا نمتلك الجرأة على التغيير وكسر قالب اعتدنا ألا نتجاوز أُطره..

فأين نحن من التفكير؟

حياة الناس مُشبعة بالروايات والقصص الغريبة وكل قصة فيها عبرة ومثال.

أذكر تلك المرأة التي التقيت بها أكثر من مرة في نادي ثقافي يجتمع فيه المغتربين، كانت تأتي برفقة صديقة لي، لا تمر هذه المرأة أمام أحد دون أن تترك انطباع، نظراتها ثاقبة، خطوط وجهها عميقة مشبعة بخبرات الحياة، رغم أنها تجاوزت العقد الخامس من عمرها، إلا أنها كانت ترتدي ثياب مُثيرة لا تليق بسيدة محترمة حتى اهتمامها المبالغ بمظهرها يفوق اهتمام المراهقات، عندما تمشي تتمايل بخطواتها وكأنها تدعو الجميع لرؤيتها ....عيون الرجال تلاحقها.

إنها لطيفة ومُحبة وبعد أن تحدثت معها أدركت أنها تعرف ما تريد! فهي ليست في حالة تعويض عن نقص تشعر به أو في حالة فقدان اهتمام.

كل إنسان مسؤول عن الصورة التي يبدو عليها وعن الانطباع الذي يتركه عند الآخرين، بعد تردد امتلكت الجرأة و قلت لها: "ممكن أن أسألك سؤالاً؟

ابتسمت لي قائلة "كلي آذان صاغية" وكأنها تعرف ما يدور في ذهني .

سألتها : ما الذي يدفعك لارتداء هذه الثياب؟إنها تضفي مظهراً خاصاً.. أشبه بنمط...

أجابتني: لماذا ترددتِ بقولها؟

مثل بائعات الهوى.

نعم أريد أن أبدو كبائعة هوى!

أريد أن أُجسد هذه الصورة

أريد أن تلتهمني عيون الرجال

لا تتفاجئي من صراحتي هذه.

لا يوجد شعور أقسى على المرأة من أن تفقد الإثارة.

ما أصعب أن تشعر المرأة أنها غير مرغوب بها من الرجال.

لا تنظري إلي هكذا! نعم أريد أن أبقى مثيرة في عيون الرجال.

لا أريد أن أنطفئ كما حدث لأمي ولكثير من النساء من حولي، كنتُ صغيرة وكان أبي يصطحبني معه، حتى لا يثير شكوك أمي واعتقاداً منه أنني لا أفهم شيئاً، كان يلتقي مع أصدقائه حيث كل واحد برفقة عشيقة له.

كنت أرى عيونهم تشتعل جمراً برفقة هذه النساء يغدقونهن بالهدايا الثمينة، والكلام المعسول، كنت أنصتُ إلى أحاديث الرجال عندما يجتمعون مع بعضهم ، حيث ينعتون زوجاتهم بأسخف العبارات ولا يتوقفون عن السخرية منهن ومن الحال التي آلت إليها أجسامهم بمرور السنين.

لا أريد أبداً أن أكرر تجربة أمي أريد أن يلاحقني الرجال.. يتمتعون بالنظر إلي وبمجالستي أريد أن أبقى موجودة في عيونهم".

كلمات هذه المرأة كان وقعها قاسياً في نفسي أي صراحة أدلت بها وأي معاناة عبرت عنها؟؟؟؟

 واقع مؤلم للأسف تعيشه الكثير من النساء، ولكن لا يمتلكن الجرأة التي تمتلكها هذه المرأة ....حالة تمرد تُجسد فيها صرخة ألم.

هل هي في حالة انتقام لنساء عصرها؟ أم أنها في حالة تجسيد لذاتها، قررت أن

تكون كما تشاء أن تكون:الأنثى الجذابة التي  تلهب عيون الرجال .

إنها تعبر عن معاناة المرأة  وكأن وجودها برمته مرهون بمكانتها في عيون الرجل.

المرأة والرجل خلقا ليلتقيان عندما يتوج الحب هذا اللقاء وكل شيء يبدأ من النظرة الأولى.

إنها لغة العيون وما أدراك ما هي لغة العيون؟

لغة بها نكون أو لا نكون..

لها مفردات خاصة تمتلك الأثر الأقوى في اللقاء والالتقاء.

من النظرة الأولى يلتقي الرضيع بأمه، عيونها مرآة تعكس الحب والحنان يتعلم أنه إنسان يستحق التقدير...

 يتعلم الحب.

نبحث دائماً عن التقدير في عيون الآخرين وإذا اقترفنا ذنب ما وشعرنا بالخجل نهرب دائماً من عيون الآخرين، فنظرة الآخرين وتقبلهم لنا لها تأثير كبير على ثقتنا بأنفسنا، الإنسان بحاجة الى الآخر ويعمل جاهداً للحصول على قبول الجماعة التي ينتمي إليها أو في علاقاته مع أصدقائه ،في عمله فأصعب شيء بالنسبة للإنسان أن يكون نكرة ليس لديه صديق.

البعض يخلق عدواً له حتى يشعر بوجوده!

ولكن أين نحن من تقبُل الذات؟

أعود لكلمات تلك المرأة وأتساءل أين هي من الحب؟؟

هل عرفت يوما الحب الحقيقي ؟ هل شعرت يوما بدفء رجل يعانق روحها ؟

هل هي متصالحة مع ذاتها وتشعر بقيمتها.. فكرها.. شخصيتها.. جمالها.. أنوثتها..؟ يلتمس الرجل هذه المشاعر.

فتقبُل الذات يدفعها لتنمية قدراتها ومواهبها والأهم هو التوقف عن تخيُل ما يحب الآخر.

هل تحب نفسها ؟؟؟

المهم هو شعورها بقيمة ذاتها ومهما حاول الرجل تكسيرها لا يستطيع.

المرأة التي تمتلك ثقة بالنفس عالية تدرك مكانتها وتعرف كيف تحافظ عليها في عيون الآخرين .

والأهم العامل الثقافي أين هو؟

ألا تثير المرأة المثقفة عقول الرجال؟

كلمات تلك المرأة تتردد أصداؤها في فكري وتطرح الكثير والكثير من الأسئلة، تدفعنا للغوص في عمق العلاقات الزوجية وما يشوبها من اعتياد وملل، وما تخلق من خلافات نتساءل لماذا يهوى الرجال رفقة بنات الهوى؟

هل لأن الزوجة أهملت نفسها، ولم تعد تهتم بمظهرها؟

و لكن هل لامست الزوجة عنده الحب والاهتمام حتى تهتم بنفسها؟

هل تمثل الزوجة صورة الأم فلا يستطيع أن يبادرها بما يجول في فكره، فيبحث عن بائعات الهوى؟

أسئلة كثيرة تُثيرها مصارحات تلك المرأة تعكس فيها مشكلة حقيقية يعيشها إنساننا في علاقته مع نصفه الثاني، علاقة المرأة والرجل بما يشوبها الكثير من التناقضات، ومن الأنانية وفقدان الاحترام الذي يُجسد غياب الحب الحقيقي ويكفي الغوص في عمق العلاقات الزوجية لوجدنا أن الكثير يعانون من هذه المشكلة في يومنا هذا حتى تاريخنا العربي مُشبع بالروايات التي تدور في فلك قصة هذه المرأة ،أشهرها قصة الفرزدق، حيث شغف قلبه بجارية، راودها على نفسها فامتنعت فهددها بالهجاء بقصيدة، فلجأت إلى زوجته (النوار) تشتكيه وهو معروف عنه أنه كان يُحبها!

فقالت لها زوجته واعديه (أريد أن أوقع به متلبساً)، اتفقت معها على موعد في حجرتها وبشرط في الظلام، ذهبت زوجة الفرزدق الى غرفة الجارية وانتظرت حتى جاء زوجها الفرزدق وعاشرها في الفراش معتقداً أنها الجارية وعندما انتهى أشعلت الانوار وقالت له وهي تضع يداها على عنقه: "يا عدو الله، يا فاسق"، تفاجأ بها الفرزدق، قال لها جملته الشهيرة: "ما أطيبك حراماً وما أردأك حلالاً".

أتساءل في ختام مقالي هذا: هل شعرت زوجته بذلك؟

هل كان معها أطيب في الحرام؟؟

وأكثر إثارةً؟؟

nadaaljendi@hotmail.fr