كل عام وأنتم بخير.. بقلم: مارلين سلوم

كل عام وأنتم بخير.. بقلم: مارلين سلوم

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٠ يوليو ٢٠٢١

للعيد طعم آخر لا تشعر بمذاقه الحقيقي إلا حين تغمّس لقمتك ولو مرة واحدة في طبق من يقف على باب الحياة ينتظر راحة بال أو لقمة عيش أو أماناً أو دواء وصحة. 
للعيد بهجة لا تطال عمقها إلا حين يبتهج قلبك وتلمع عيناك بنفس بريق عيني أم رأت أبناءها بعد غياب، وجَدّ احتضن أحفاده فتضاعفت نبضات القلب وكأنه يعيش الأبوة مرتين، وعائلة امتدت لها يد العون دون أن تطرق باباً أو تصرخ علناً. 
كل عام وأنتم بخير.. تلك الكلمات لا تجسد حقيقة معناها إلا حين تخرج من صميم الإيمان ونقصد بها الدعاء لا التهنئة الشكلية، يشعر بأهميتها من يحتاج للصحة وللخير بكل أشكاله، ومن لا يتوق إلى الخير دائماً؟ كثر يرددونها لكنها تتحول غالباً إلى مجاملة أو مجرد عبارات لازمة في العيد تخرج من بين الشفتين بشكل تلقائي روتيني تقليدي، لا يتحرك لها قلب ولا تلمس وجعاً ولا تحلق بكل زخم حتى ترتفع لتصل إلى أبواب السماء. 
يكثر فعل الخير في هذه الأيام، فيصير للعيد أكثر من معنى وتترسخ في أذهان الأطفال كل تلك الصور والمشاهد التي يرونها اليوم وطوال أيام العيد؛ تتحول إلى ذكريات، والأهم أنها تتحول إلى أفعال يمارسها الأبناء حين يكبرون. 
كل المشاهد التي نراها في العيد هي صور نتوارثها وأفعال نكررها، فمن ترسخت في ذهنه مقرونة بالحب والعطاء والفرحة الحقيقية، سيمارسها بنفس فعل الإيمان والحب والعطاء والرغبة في إسعاد الآخرين، ومن ترسخت لديه كتقليد روتيني أقرب إلى العادات أكثر من قربه للإيمان ومعنى الخير والمشاركة ورمزية الطقوس وقدسيتها، قد يُسقط الموروث عمداً أو يتخلى عن كل تلك الصور والمشاهد ويتحرر منها فيستعيض عنها بالقشور والشكليات كمن يحفظ ماء الوجه أمام أهل وأقرباء ومعارف. 
ينشغل الكبار بالعيد ولا ينتبهون إلى أن كل ما يفعلونه سيبقى مطبوعاً في أذهان الصغار، يفوتهم وسط الزحام أن هذه الطقوس المقدسة هي جزء من الميراث الذي وصل إليهم من الآباء والأجداد وسيعبر منهم إلى الأبناء وأحفاد الأحفاد..
كل تلك المشاهد محفورة في الأذهان وتُحفر الآن في أذهان جيل جديد سيكرر المشهد بحذافيره يوماً ما، ويتحمل مسؤولية نقل هذه الطقوس برمزيتها وقدسيتها إلى أجيال وأجيال، ويكون الكل بخير في العيد هذا العام وكل عام.