«درعا» أوان الحسم.. بقلم: محمد عبيد

«درعا» أوان الحسم.. بقلم: محمد عبيد

تحليل وآراء

الاثنين، ٢ أغسطس ٢٠٢١

 لم تكن الانتخابات الرئاسية التي جرت في سورية مجرد استحقاق دستوري تقليدي، ذلك أن رعاة الحرب الكونية التي خيضت ضد هذا البلد، اعتبروا منذ البداية أنه يستحيل السيطرة على سورية وتقسيمها واستثمار ثرواتها من دون إسقاط رئيسها، لذلك كانت الحملات الإعلامية والسياسية التي أدارها هؤلاء الرعاة ونفذتها أدواتهم في الداخل والخارج، تركز على شخص الرئيس وتستهدفه انطلاقاً من اعتباره تجسيداً لوحدة سورية ومؤشراً إلى قدرتها على الصمود والانتصار.
والمتابع للمرحلة التي سبقت تثبيت موعد الانتخابات الرئاسية، يعلم أن ضغوطاً كثيرة مورست مباشرة أو بالوساطة من قوى دولية معادية وصديقة لثني الرئيس بشار الأسد والقيادة السورية عن إجراء هذه الانتخابات، وبموازاة ذلك إغراءات كثيرة تم الوعد بتحقيقها في حال تأجيل تاريخ إجراء الانتخابات المذكورة.
كل ذلك كان يهدف إلى تحقيق أمرٍ واحد، ألا وهو تكريس فراغ رئاسي يمنح ما يسمى «اللجنة الدستورية» مساحة زمنية لإقرار دستور جديد، يتم على أساسه انتخاب رئيس جديد بشروط بعض القوى الدولية ووفق مواصفات أقلّها الانصياع لمطالب هذه القوى حول ضرورة تموضع سورية خارج محور المقاومة.
وحُكماً فإن الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية سيؤدي إلى فراغ سياسي وإداري في مؤسسات الدولة، كذلك سيدفع البلاد نحو فوضى أمنية مضبوطة لخدمة إنتاج دستور جديد، بمعنى آخر أن يتم إقرار هذا الدستور على نار الضرورة للخلاص من الفراغ المؤسساتي والفوضى الأمنية.
لذلك فإن إصرار القيادة السورية على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري كان تحدياً للضغوطات كما للإغراءات والوعود الواهية، والأهم تأكيدها وتثبيتها لاستقلالية القرار السيادي السوري وعدم خضوعه لتهديدات الأعداء ولا امتثاله لأمنيات الأصدقاء.
وجاء خطاب الرئيس بشار الأسد في حفل أداء القسم يوم السبت في السابع عشر من شهر تموز الفائت، ليكمل معاني حصول الانتخابات الرئاسية ونتائجها السياسية وتداعياتها على المقاربات الخارجية تجاه سورية، وبرز ذلك من خلال تركيز الرئيس الأسد على مسارين أساسيين: الأول، استنهاض الوضع الاقتصادي والاستثماري في البلاد. والثاني، العمل على استكمال تحرير المناطق التي مازالت تحت الاحتلالات الأجنبية.
بالنسبة للمسار الأول، فإن الرئيس الأسد أعلن بوضوح العمل على تعزيز إستراتيجية «الاكتفاء الذاتي»، كسبيل وحيد للخروج من مفاعيل الحصار والعقوبات وبالأخص منها ما يسمى «قانون قيصر»، مع الإشارة إلى أن هذه الإستراتيجية لا تتعلق فقط بتحقيق استقرار اقتصادي مجتمعي، إنما تقود أيضاً إلى تثبيت استقلالية سياسية كاملة انطلاقاً من عدم الحاجة إلى الارتهان لبعض المؤسسات المالية والنقدية الدولية ولا القبول باعتماد وصفاتها.
هذا إضافة إلى فتح الأبواب أمام استثمارات داخلية تحفظ المال السوري ضمن حدود الوطن، وكخيار ضروري لتعويض الخلل النقدي الذي نتج عن ضياع عشرات المليارات من العملات الأجنبية من أموال المواطنين السوريين المودعة في المصارف اللبنانية.
أما المسار الثاني فقد هدأت وتيرته في محطات زمنية متفرقة، غير أن العمل على التحضير لاستئنافه لم يتوقف يوماً، إنما وفقاً لسلّم الأولويات المتعلق بتثبيت ركائز الدولة في المحافظات التي تم تحريرها سابقاً، والأهم حفظ أمن المواطنين السوريين فيها ما يوفر لهم العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، إلى جانب رغبة القيادة السورية في منح فرص أكثر للمعالجات السلمية القائمة على المصالحات الأهلية تحت سقف استعادة الدولة وأجهزتها ومؤسساتها تدريجياً للسيادة الكاملة في تلك المناطق.
وهي رغبة تجسدت عملياً في الآلية التي تم التفاهم عليها سابقاً لمعالجة الواقع الأمني والإداري والاجتماعي في بعض مناطق محافظة درعا، الامتداد الجغرافي- التجاري لسورية باتجاه الأردن.
لكن يبدو أن المجموعات المسلحة هناك لم تدرك أن المساحة الزمنية المعطاة لهم لتسليم أسلحتهم ومعالجة أوضاعهم القانونية لن يطول كثيراً، وأنه كان عليها أن تتوقف عن ممارساتها العدوانية والإرهابية ضد المواطنين السوريين وكذلك ضد الجيش والقوى الأمنية الموكل إليها حفظ الاستقرار وتثبيت الأمان للمقيمين والعابرين. مع الإشارة إلى أن الاتصالات الأخيرة التي جرت بين الحكومتين السورية والأردنية حول فتح معبر الحدود بين البلدين فرضت الإسراع في اتخاذ قرار الحسم العسكري وتطهير المنطقة من بقايا تلك المجموعات المسلحة.
إن تحرير المناطق المستهدفة في محافظ درعا ليس سوى محطة أولى على طريق استكمال تحرير ما تبقى من الأراضي السورية المحتلة، وخصوصاً أن القيادة السورية استنفدت كل الاتصالات والاجتماعات واللقاءات السياسية من أجل تأمين معالجات توفر على الشعب والجيش السوريين المزيد من التضحيات، كما تجنّب تلك المناطق الدمار والخراب.
إن رعاة هذه الحرب الكونية تيقنوا الآن أنهم خسروها وإن لم يعترفوا بذلك صراحة وعلناً، إلا أنهم ما زالوا غير مهيئين لتقديم تنازلات تعيد صياغة موازين القوى لمصلحة محور المقاومة وقلبه سورية التي جسدت فيه موقع انتصاره الناجز.