المنطقة والتطورات ما بعد أفغانستان وطالبان.. بقلم: تحسين الحلبي

المنطقة والتطورات ما بعد أفغانستان وطالبان.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٤ أغسطس ٢٠٢١

في آذار الماضي أعد ثلاثة من رجال الأبحاث الإسرائيليين دراسة بعنوان: «كيف سيكون وضع الشرق الأوسط عام 2030» ونشروه في مجلة أبحاث «معهد الشرق الأوسط – إم أي آي» ووضعوا عدداً من السيناريوهات مستندين فيها إلى الوضع الراهن وسير تطوراته في مختلف الاتجاهات أو المضامين وحددوا فيه بعض المسلمات الواضحة وأهمها:
«انهيار القطبية الأحادية للقوة العظمى الأميركية وتحول النظام العالمي إما إلى ثنائية القطبية، الصين- أميركا، وإما إلى تعدد القطبية، أميركا- الصين- روسيا، ويستنتج البحث أن التنافس سيزداد حول النفوذ على سورية واليمن ولبنان وليبيا ودول إفريقية أخرى، لكن الولايات المتحدة ستواصل في ظل هذا التنافس تخفيض قواتها في المنطقة وسيزيد اعتمادها على الدول الإقليمية المتحالفة معها في الشرق الأوسط في حماية مصالحها وفي منع ولادة أي فراغ في هذه الدول الحليفة لكيلا تملأه الصين وروسيا.
ويرى البحث أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستعطي الأولوية خلال السنوات المقبلة للتركيز على الصين والاهتمام بالدول القريبة منها لحشدها ضد الصين وروسيا مع المحافظة على مصالحها في الشرق الأوسط بواسطة سياسة التوجيه عن بعد وليس بالوجود العسكري الأميركي المباشر مع السعي الدائم لتوحيد مواقفها في حماية بعضها بعضاً من أي نفوذ روسي أو صيني ينزع بعض المصالح الأميركية.
وإذا كان البحث يحدد الهدف الأميركي بهذا الشكل المسلم به فإن البحث لا يتطرق إلى ما يمكن للسياسة الأميركية أو الإسرائيلية وضعه من خطط لتحقيق هذا الهدف في الشرق الأوسط لكي تتفرغ الولايات المتحدة لتنفيذ الإستراتيجية العسكرية والسياسية الأميركية المعدة ضد الصين في ساحتها الآسيوية.
لا أحد يشك حتى الآن أن السياسة الأميركية ما زالت منذ عام 2001 تتبنى شن حروبها والتدخل في الشرق الأوسط باسم «الحرب على الإرهاب» منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، بهدف إحكام سيطرتها وهيمنتها على هذه المنطقة ومنع أي تحالف روسي أو صيني مع دول المنطقة وفي تطبيق هذه السياسة اعتمدت واشنطن وحلفاؤها في أوروبا والمنطقة على التحريض الطائفي ضد إيران وسورية والعراق والمقاومة اللبنانية في كل ساحة من المنطقة ولا تزال برغم هزيمتها في سورية والعراق وإيران وأمام المقاومة اللبنانية تستمر في حصار هذه الدول وفي حشد بقية دول المنطقة المتحالفة معها ضد كل هذه الدول وتوظيفها لها في تقديم الدعم للتيارات الإسلاموية الطائفية وما بقي منها من مجموعات إرهابية.
والعنصر الجديد الذي تتاح فرصة توظيفه من نفس الولايات المتحدة وحلفائها في نفس المهمة بدأ يظهر الآن في أفغانستان وهو طالبان التي ستعدها معظم التيارات والمجموعات الإسلاموية عنواناً لها على نفس الطريقة القديمة التي تحالفت فيها هذه التيارات مع منظمة القاعدة وولدت منها مجموعات داعش الإرهابية والنصرة وغيرها، فطالبان الآن بعد الانسحاب الأميركي العسكري من أفغانستان ستعد حليفاً لكل حزب أو مجموعة إسلاموية أو دولة مثل قطر التي لم تقطع علاقاتها مع قادتها في السنوات الأخيرة وكذلك مثل تركيا التي يعد رئيسها رجب أردوغان داعماً علنياً للإخوان المسلمين الذين باركوا لطالبان انتصارها على الاحتلال الأميركي.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيؤدي التغيير في الحكم في أفغانستان واستلام طالبان للسلطة إلى انقسام بين الدول العربية المحافظة التي توقفت عن دعم الإخوان المسلمين في الآونة الأخيرة وبين الدول العربية التي تستعد لإنشاء أفضل العلاقات مع طالبان مثل قطر وتركيا؟
يبدو أن البحث الإسرائيلي حول مستقبل المنطقة في عام 2030 لم يضع في حسابه حين نشر في آذار 2021 احتمال الانسحاب الأميركي بهذه السرعة والطريقة التي ستجعل واشنطن ترى في طالبان نظام حكم قابلاً للتوافق بموجب تاريخه الإسلاموي المسلح مع السياسة الأميركية عن طريق حلفائها الذين توظفهم لهذا الغرض، فالتطورات في أفغانستان لا يمكن تجاهل الدور الذي ستلعبه في السنوات المقبلة في المنطقة ونظام تحالفاتها الإقليمية والدولية، كما أن واشنطن وحلفاءها لا يمكن أن يضمنوا فرض جدول عملهم على هذه التطورات فثمة منافسون لهم في الموضوع الأفغاني بعد الانسحاب ومنهم روسيا والصين وباكستان وليس اللاعبون في الملعب الأميركي فقط وتحديداً لأننا بموجب اعتراف البحث نشهد انهياراً للقطبية الأميركية الأحادية ونسير نحو تعددية في أقطاب القوى العظمى ستتبوأ فيها روسيا والصين موقعهما في القضايا الإقليمية والدولية.