الطلاق العاطفي.. ضد مجهول.. بقلم: الأخصائية التربوية خلود خضور

الطلاق العاطفي.. ضد مجهول.. بقلم: الأخصائية التربوية خلود خضور

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ أغسطس ٢٠٢١

هناك من يقول أن العلاقة بين الزوج وزوجته يجب أن تكون كالعلاقة بين السمك والماء وليس كالعلاقة بين السمك والصياد فكيف سيقتنع من بطنه يتضور جوعاً وزوجته المثقفة تقرأ" فن اللامبالاة"؟ تتراكم الخلافات والتوترات والتنافر بين الزوجين إلى الذروة لكنهما لا يصلا إلى الطلاق المباشر إذ تمنعهما أسباب عديدة منها ربما مستقبل الأولاد إذا كان هناك أولاد أو كلام الناس أو الخشية من واقع المطلق أو المطلقة فتكون النتيجة حالة من الطلاق العاطفي أو ما يسميه المحللون النفسيون الطلاق النفسي والذي تستمر فيه العلاقات الزوجية أمام الناس فقط لكنها منقطعة الخيوط بصورة شبه كاملة في الحياة الخاصة للزوجين، ويقارن البعض بين الطلاق بالمعنى المتعارف عليه وبين الطلاق العاطفي فيجمعون أن الأول أشبه بالموت والثاني أشبه بالمرض المزمن الطويل. فمن المسؤول هل هي الأسباب النفسية الخفية التي تجعل من الزوجة نكدية برأي زوجها الذي يشكو من نكدها وأن بيته قطعة من الجحيم، وأن الكآبة تداهمه عندما يعود إلى بيته خاصة عندما يطالعه وجه زوجته الغاضبة، وبيت خال من السرور والضحك كما يصفه، أم الزوج الضعيف الشخصية مثلاًوالذي يدفع بزوجته إلى أن تتسلط فلا يبرم عقداً ولا يفعل شيئاً إلا بأمرها وإذنها؟ كل منهما يتهم الآخر ويحمّله النصيب الأكبر من المسؤولية ويرى نفسه ضحية، ولمّا كانت الحياة الزوجية هي حياة عطاء لا حياة أخذ فإن فن الاحتواء فيها من الضروري أن يكون قائماً على ثلاثة أنواع هي الاحتواء الفكري في تبادل الأفكار والمشاكل والحديث حولها بين الرجل والمرأة والاستماع لبعضهما لكن المشكلة الكبيرة ألا يحدث ذلك الاستماع، والاحتواء الانفعالي وهو الاهتمام بمشاعر الطرف الآخر، المرأة ما تحب والرجل ما يحب، والاحتواء الجسدي عن طريق الاهتمام بالمظهر ولابد أن يلعب هذا الدور المرأة والرجل أيضاً. وإن فشل فنون الاحتواء هذه لا يعني بالضرورة انفصال الزوجين، ولكن الفشل للأسف يعني أن جو المنزل لم يعد سعيداً أو مستقراً والخلافات لا تنقطع فيتحول الجو الأسري إلى أرض لا تنتج الثمار الجيدة ومن البديهي أن تتأثر المشاعر والأحاسيس والعواطف نحو بعضهما من باب المجاملة المرحلية أو تأدية الواجب والاعتراف بالحقوق المشروعة لكل منهما، وهنا يظهر التصدي المعنوي الأسري في الطلاق العاطفي بين الزوجين والمترجم بشكل دائم في علاقات شجار وتبادل الشتم واللوم والنقد وتوجيه عبارات التحقير والتعبير الصريح عن النفور. فما هو الطلاق العاطفي إذاً؟ وماهي أسبابه وآثاره؟ 
تجمع الأدبيات النظرية على أن الطلاق العاطفي هو حالة يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض رغم وجودهما في منزل واحد ويعيشان في انعزال عاطفي ولكل منهما عالمه الخاص البعيد عن الطرف الآخر وينتج عنه برودة الحياة الزوجية وغياب الحب والرضا من العلاقة بين الزوجين. وهذا النوع من الطلاق بات أكثر بروزاً في الآونة الأخيرة ويرجع ذلك حسب إجماع الدراسات المتخصصة في حصر تلك الحالات إلى عدة عوامل تختلف من حالة لأخرى باختلاف نماذج الحياة من حولنا ويمكن أن يكون عدم التقارب الفكري والثقافي واختلاف الأعمار بين الزوجين، أو إكراه الزوجة على شخص لا ترغب فيه لعادات أو اعتبارات تخص أسرتها، وإهمال الجانب العاطفي للشريك والانغماس في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والاهتمام بشيء آخر كالأنشطة الثقافية والاجتماعية أو الاهتمام بالأطفال على حساب شريك الحياة أو البخل بالتعبير عن المشاعر كالتعبير بالكلمات أو إحضار الهدايا بالمناسبات المختلفة أو بسبب جهل أحد الزوجين أو كليهما بأهمية الجانب الوجداني الذي يتأثر بالمظهر الخارجي والأناقة وعدم الترهل كما يتأثر بمدى الإقبال على الحياة عموماً وتبادل لحظات الفرح في الأسرة أو قد يرجع إلى أسباب طبية أو عدم مشاركة الزوجين لبعضهما في الاهتمامات والميول وعوامل أخرى متعددة. ولا يصل الزوجان إلى مرحلة الطلاق العاطفي إلا بعد التدرج في مراحل قتل الحب وهي المقاومة مثلاً تجاه عبارة قالها أو قالتها أو تصرّف أو نكتة ثم التفوه بها فيبدأ الطرف الآخر بالانزعاج والابتعاد عن الشريك، وتأتي مرحلة الغيظ وهنا إذا لم تعالج المقاومة السابقة بالمصارحة أو المواجهة فإنها تتنامى لتصبح غيظاً وسيشعر الشريك بالغضب وفوران الدم على الطرف الآخر على شكل غيظ والغيظ يقتل الشعور بالمودة حتى يصل إلى نقطة الرفض والتي يكون الغيظ قد تنامى فيها على شكل مواقف يومية أو أسبوعية وسيجد نفسه يتطور لمهاجمة شريكه إما لفظياً أو عملياً وتنتهي بأخطر مرحلة في العلاقات بين الزوجين وهي الكبت فبعد أن يتعب الشريك من مهاجمة الطرف الآخر ومع مرور الزمن يحاول أن يخفف من ألمه بخلق حالة طلاق عاطفي. وبهذا تتنوع وتختلف النتائج والآثار المترتبة على وجود طلاق عاطفي إلى شيوع للصمت وغياب للغة الحوار في الحياة الزوجية وتبلد للمشاعر وجمود للعواطف وغياب للبهجة والمودة والاحترام واللين وشيوع العناد والشجار لأتفه الأسباب وعدم الاشتراك في أنشطة مشتركة ومناسبات عائلية والشعور بالندم على الارتباط بالطرف الآخر والتفكير في الطلاق أو الزواج مرة أخرى وشيوع السيطرة والاستهزاء والتعليقات السلبية والأكل والشرب بشكل منفصل واللوم المتبادل والإنقاص من شأن وقيم وإنجازات وطموحات الطرف الآخر ورمي المسؤوليات والالتزامات الأسرية (الأبناء والمنزل) على الآخر والبحث عن بدائل كالإسراف في متابعة بعض القنوات التلفزيونية والسهر خارج المنزل أو علاقات مشبوهة لدى البعض وغيرها الكثير من نتائج وآثار نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية يطول شرحها.
هكذا هو الطلاق العاطفي يمثل تهديداً للحياة الزوجية ومؤشراً لنهايتها إن لم تتم المعالجة وإيجاد الحلول وخاصة أن الطلاق العاطفي بين الزوجين في حال وجود أطفال يعد أشد خطراً على النمو النفسي لهؤلاء الأطفال من تصدع أسرهم بالطلاق.