اليوم 11 سبتمبر.. بقلم:  جمال الكشكي

اليوم 11 سبتمبر.. بقلم: جمال الكشكي

تحليل وآراء

السبت، ١١ سبتمبر ٢٠٢١

بعد عقدين من الزمان على الحادث الذي غيّر وجه العالم، تحل اليوم ذكرى يوم ليس ككل الأيام في تاريخ هذا الكون، لم يكن يوماً عادياً في تاريخ البشرية، إنه الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، الذي كان فاصلاً بين ما سبقه وما أتى بعده من تغيير في استقرار العالم.
اللحظة كانت خيالية، لو كتبها أحدهم تفصيلياً كما حدثت، فإنك قطعاً ستتهمه بالمبالغة في سرد القصص الخيالية.
طائرتان ضربتا برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وطائرة ثالثة دمرت الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في واشنطن، والطائرة الرابعة تحطمت في حقل في ولاية بنسلفانيا، وقيل إن خاطفيها كانوا يعتزمون استخدامها في مهاجمة مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة، ثلاثة آلاف شخص هم ضحايا هذا الحادث التاريخي، كل شيء تغير داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
تداخلت الحسابات والتقديرات داخل أجهزة الاستخبارات، ومجالس التفكير الأمريكية، الرئيس جورج بوش الابن، لم يستطع مواجهة هذا الخطر سوى بمقولته الشهيرة:
«من ليس معنا فهو ضدنا»، خريطة الخوف والقلق تعيد رسم نفسها، تنظيم القاعدة يعلن مسؤوليته عن هذا الحادث، علامات الاستفهام والتعجب تطرح نفسها بقوة وعمق، كيف يحدث ذلك مع دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية؟ أين كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية؟ ألم يكن لديها معلومات مسبقة؟ وكيف ينعكس ذلك على أداء واستراتيجية أمريكا في المنطقة؟ وماذا يقول ساكن البيت الأبيض لشعبه؟
كان وجه التاريخ يتغير، أياً كانت حقيقة وتفاصيل ما حدث يوم الحادي عشر من سبتمبر، فإن النتائج قادت - ولا تزال - إلى سيناريوهات شديدة التعقيد، القوات الأمريكية قررت غزو أفغانستان، بعد أقل من مرور شهر على هذا التفجير، للقضاء على تنظيم القاعدة، بعد عشر سنوات استطاعت القوات الأمريكية تحديد مخبأ زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وتمكنت من قتله في باكستان.
استنزاف اقتصادي وسياسي وأمني مستمر لدى الجانب الأمريكي، الرئيس باراك أوباما، تحالف مع جماعة الإخوان، ووقف وراءها وساندها من أجل تنفيذ سياسته الخارجية بما يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة بما يهدف إلى تنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط الجديد، الرئيس دونالد ترامب وترتيبه الرئيس الثالث منذ وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أدرك خطورة بقاء وإنهاك قواته الأمريكية في أفغانستان، الخسائر باتت متلاحقة. الرئيس الرابع جو بايدن اختار الذكرى العشرين لهذه التفجيرات لمغادرة القوات الأمريكية أفغانستان.
والآن بعد عقدين كاملين، ما الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما سيناريوهات المستقبل في التعامل مع التنظيمات والجماعات المتطرفة؟ وهل من المتوقع تكرار حدوث تفجيرات مماثلة للحادي عشر من سبتمبر؟ وما دلالات توقيت الانسحاب الأمريكي في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر؟
ما تم إنفاقه على الحرب ضد الإرهاب ما يقرب من 7 تريليونات، وفق ما ذكره الرئيس السابق دونالد ترامب، فضلاً عن الخسائر البشرية التي تصل تقديراتها إلى 7700 جندي أمريكي، هذا فضلاً عن أن الجيش الأمريكي نفسه أكد وفق تقرير نشرته مجموعة «إير وارز» لمراقبة الأضرار المدنية بأنه قام بتنفيذ ما يقرب من 100 ألف غارة جوية منذ عام 2001.
لا شك إذن أن الخسائر باتت تؤثر سلباً على استقرار الاقتصاد الأمريكي، لكن في الوقت نفسه علينا التوقف أمام ملاحظات عدة تزامنت مع هذا الانسحاب الأمريكي، ومع ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، يأتي في مقدمة هذه الملاحظات ما يلي:
إن الذكرى العشرين لتفجير برجي مركز التجارة العالمي، لم تقدم لنا رؤية واضحة تتحدث عن المستوى الذي وصلت إليه جماعات الإرهاب في العالم، بعد مواجهة تنظيم القاعدة وقتل زعيمها أسامة بن لادن.
ثانياً: إن وقت هذه التفجيرات عام 2001، وما يحدث الآن عام 2021، من متغيرات سريعة ومتلاحقة في أفغانستان يقول إن هناك نقصاً شديداً في المعلومات لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ومن ثم فإن التقديرات لا تستبعد تكرار هذا النوع من الهجمات بأشكال مختلفة.
ثالثاً: إن هذا الانسحاب وهذه الذكرى تواكب سباقاً بين عواصم كبرى، بكين وموسكو تريدان الجلوس إلى جوار واشنطن، البيت الأبيض يعيد ترتيب حساباته تجاه روسيا والصين، وهذا من شأنه أن يدفعنا للتوقف أمام ذكرى هذا التاريخ الذي دفع إلى دخول أفغانستان، وهو التاريخ نفسه الذي واكب الخروج منها، وهو أيضاً التاريخ الذي يمثل رقماً مهماً في سيناريوهات مستقبلية لها تأثيراتها على الولايات المتحدة، وأيضاً على آسيا الوسطى.
رابعاً: إن مرور عشرين عاماً على هذه الهجمات سيدفع حركات التطرف الديني إلى إعادة النظر في تقدير حجمها، إذ ما تم النظر إلى حسابات المكسب والخسارة التي لحقت بها خلال العقدين الماضيين.
خامساً: أرى ضرورة التكاتف العربي والإقليمي والعالمي لدراسة مستقبل حركات التطرف في منطقتنا والعالم في ضوء هذه الذكرى، والوصول إلى آلية مشتركة لضمان عدم تكرارها، والاستعداد لجميع السيناريوهات المفتوحة.
* رئيس تحرير «الأهرام العربي»