الشباب وصراع الأجيال أزمة معكوسة ..في ضوء التحولات المجتمعية.. بقلم: الأخصائية التربوية: خلود خضور

الشباب وصراع الأجيال أزمة معكوسة ..في ضوء التحولات المجتمعية.. بقلم: الأخصائية التربوية: خلود خضور

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ سبتمبر ٢٠٢١

هل تساءلتم يوماً لماذا أوجد الله الزهرة ذات الألوان الخلابة بين صخور جبال شاهقة الارتفاع؟ أو نمو شجرة وسط الصحراء المترامية الأطراف؟ هل أراد الله تعذيب هذه الكائنات الضعيفة أو فرض الوحدة عليها؟ كلا وحاشى فتعالى الخالق لكل هذا، ولكن أراد وضع نقاط أمل لنا كنبراس للأمل في بيئات قاسية وقاحلة وصلبة جرداء دون ماء وكذلك بعيدة عن متناول يد الإنسان، فهل يا ترى سينبت الأمل كذلك بين الخطين المتوازيين حيث يعيش الأبوان في خطٍ هُم فيه أسرى تراكمات ما رسم من عقيدة الماضي، وخط الصراع مع التغيير على يد أبنائهم الذين يريدون تجاوز الخطوط الحمراء في مواجهة أهاليهم كمحاولة لإرساء المفاهيم الخاصة بهم؟
كثير من الآباء يصرون على معاملة الأبناء حتى بعد أن يكبروا على أنهم ما زالوا أولئك الأطفال الذين يجب اتخاذ القرارات بالنيابة عنهم أو أنهم لا يعرفون مصلحتهم، وأن الأب هو الوحيد الذي يعرف مصلحة ابنه، وفي بعض الأحيان تمتد وصاية الآباء إلى الأبناء المتزوجين فنجد الابن المتزوج يعاني من محاولات والده السيطرة على شؤون حياته بداية من اختيار العروس المناسبة له وصولاً إلى التدخل في مختلف تفاصيل حياة الأبناء وحتى علاقاتهم بزوجاتهم، وعلى الرغم من أن لكل زمن أفكاره وتقاليده وعاداته التي تتغير وليس المفروض أن يتحول الأبناء إلى نسخة طبق الأصل من الآباء فلماذا يتدخل بعض الآباء بالرقابة وفرض الأوامر والتعليمات على الأبناء؟ ولماذا لا يترك الأب لأبنائه حرية التعبير عن رأيهم؟ ولماذا لا يسمح له بحق الاختلاف في الرأي؟ خصوصاً أن الظروف في هذه الأيام تتطلب نوعاً من أنواع الانفتاح في التربية والتعاون والتفاهم لضبط سلوكيات الأبناء حتى لا يحدث الانحراف أو يحدث نوع من العناد والإصرار من جانب الأبناء على فرض آرائهم حتى لو كانت خاطئة لمجرد أنهم يريدون إثبات شخصيتهم المستقلة والتمرد على وصاية الآباء. أحدثت الفجوة الزمنية بين الأجيال صراعاً يرفض فيه الشباب أفكار الكبار والعكس وكثيراً ما يلاحظ أن الكبار يتهمون الشباب بعدم الجدية ونقص الخبرة وهذا الصراع يسمى صراع الأجيال واعتبره البعض أنه ذلك الاختلاف أو التغيير في المفاهيم التي تنشأ بين جيل وآخر ويمسُّ مجالات مهمة في الحياة كمجالات الاقتصاد والسياسة والتعليم والإعلام وغيرها، وإن كان المصطلح يؤشر في الوهلة الأولى بمفهومه إلى حالة العداء بين الفريقين أو الجيلين إلا أن هذا الوصف مبالغ فيه لذا يستخدم أحياناً مفهوم غياب الحوار بين الأجيال أو التباعد أو مفهوم الفجوة بين الأجيال كمصطلحات رديفة. وما عبارة "إن كبر ابنك خاويه" إلا تلخيص لخبرة الكبار في العلاقة الجدلية بين الأبناء وآبائهم وخاصة عندما يبدأ عود الشباب يقوى ويشتد، فالشاب يرى نفسه رجلاً ولا يريد سماع أية ملاحظات أو انتقادات أو توجيهات، وكذلك الفتاة ترى في نفسها الجمال والسحر وخفة الدم وأنها محط الأنظار ولا تقبل من والدتها أي انتقاد أو توجيه وهنا يبدأ صراع الأجيال، فالآباء حسب معتقداتهم ومفاهيمهم المترسخة والأبناء بتطلعاتهم النامية ومفاهيمهم الحديثة فالأب من محبته لأبنائه يريد أن يرى فيهم كل مكان يحلم به ولم يستطع تحقيقه، والأم تنظر إلى ابنتها وتريد أن تحقق كل الأحلام التي كانت تحلم بها ولم تتمكن من القيام بها، هذه العلاقة المتشابكة بين الآباء والأبناء قد تصل في بعض الأحيان إلى قطيعة بين الأب وابنه أو بين الأم وابنتها إذا ما تمسك كل طرف بموقفه ورأيه ضد الآخر فما الحل؟ حتماً لا أحد يرغب في أن تصل الأمور إلى هذا الحد من الصراع لذا يجب على الأب أن يراعي في علاقته مع أبنائه أن لكل منهم شخصيته المستقلة التي بدأت تتبلور والتي قد تتفق أو لا تتفق مع رأيه ومواقفه، وعليه أن يعطي رأيه وتوجيهاته دون قمع أو إكراه وبشكل لا يشعر ابنه بأنه يتدخل في حياته أو يحد من حريته أو يفرض عليه ما لا يريد، وعلى الشاب أن يعطي رأيه بعد أن يصغي لرأي الأهل ويستمع لهم دون أن يأخذ مسبقاً موقفاً رافضاً لأقوالهم بل يتناقش معهم ويبين رأيه والأسباب التي جعلته يتخذ هذا الموقف خاصة أن الشباب يعيشون ألواناً من الصراعات والتي منها صراع الجنس بسبب التناقض بين المبادئ والقيم وبين ما يرونه من ابتذال للجنس في الأغاني والأفلام والوسائل الأخرى فيقعون في صراع بين المبادئ التي آمنوا بها وبين الممارسات الاجتماعية في هذا المجال، وصراع القيم بسبب الازدواجية في المعايير التي يلاقيها الشباب في المجتمع، وصراع الأجيال هذا و الذي لا يتكلم فيه الكبار إلا بالمثل العليا والأخلاق الرفيعة ولا يريدون من الشباب أن يفكروا في الراحة واللعب والتسلية في حين ينظر جيل الشباب إلى جيل الكبار وجيل آبائهم بأنهم قد تجاوزوا الزمن ولم تعد توجيهاتهم صالحة لمسايرة هذا العصر وأولى بهم أن يبقوا في بيوتهم ويكفوا عن توجيهاتهم فهم يرفضون أن تلغى عقولهم وتكبل حريتهم وأن يشعروا أنهم تحت وصاية الآباء في كل صغيرة وكبيرة تخص حياتهم، وتجمع الأدبيات النظرية أن أسباب صراع الأجيال هو أن كل جيل يحاول الدفاع عن وجهة نظره وأن كل جيل يرى نفسه أنه وحده على صواب وأن الآخر ليس على الدرجة نفسها من الصواب وعدم تقبل كل جيل لعادات وتقاليد وأسلوب حياة ونمط الجيل الآخر فكل جيل يدافع عن عصره وظروفه ويحاول أن يبسط ويفرض رأيه، والعلاقة بهذا الشكل تكشف عن خلل في مؤسسة الأسرة وافتقاد علاقة الآباء والأبناء لروح التفاهم والحوار البناء وهو ما يفقد الأسرة دورها في التوجيه والإرشاد ويشحن المناخ الأسري بالصراع بدلاً من التفهم والاحتواء العاطفي، وهناك من يرجع الأسباب إلى الحد الفاصل بين جيلين والتي تقدر بثلاثين عاماً ويرى بالمقابل أن الأجيال الجديدة على حق حين تؤكد أنها تعيش عصراً مختلف يصعب على الكبار أن يستوعبوا أبعاده  فيقفوا عاجزين أمام الإمكانات الهائلة التي يحملها في طياته ولاسيما ما يتعلق منها بثقافة الأجيال الجديدة التي يشوبها الاضطراب والخلط وضيق الأفق وكذلك طبيعة المصادر التي يمكن أن يستمد منها هذا الجيل الثقافة سواء العصرية أم القديمة، والمشكلة الأعظم إذا وصلت العلاقة بين الجيلين إلى حد استحالة التلاقي والاتفاق وتجاوز مرحلة الفتور في العلاقة إلى انقطاع التواصل أو انقطاع العلاقة أو تحويلها إلى أنماط شديدة السلبية من العلاقات قد تصل إلى حد الكراهية أو القتل أو الانتقام أو قبل ذلك العقوق، وإذا وصلت العلاقة بين الجيلين إلى هنا فماذا سيكون مصير المجتمع ومستقبله؟ 
إذاً تواصل الأجيال أمر بالغ الأهمية في عصرنا ولن يتأتى إلا بتوقير الصغير للكبير واحترام الكبير للصغير وهي ليست كلمات تقال وحسب بل من المحتم أن تكون هناك ممارسات عملية وألا يكتفى بمجرد ترديدها، ولابد من لقاء وخلاف لا يفسد للود قضية تتوثق من خلاله العلاقة.