تحولات أميركية قد تطوي أزمات المنطقة برمتها.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحولات أميركية قد تطوي أزمات المنطقة برمتها.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٧ سبتمبر ٢٠٢١

كشفت المداولات الحاصلة في جلسة للجنة العلاقات الخارجية المنبثقة عن مجلس الشيوخ الأميركي كانت قد انعقدت في السادس عشر من شهر أيلول الجاري عن توجه أميركي بدا وكأنه ماض نحو تعميق الخطوة التي أعلنت عنها السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا عبر «الاستثناء» المعطى للبنان بنقل الغاز المصري إلى أراضي هذا الأخير عبوراً بالأراضي الأردنية والسورية، والمضي بالتوجه سابق الذكر، يتخذ من تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق بموجب «قانون قيصر»، اتجاهاً راسماً لتوجهات واشنطن الجديدة تجاه الأخيرة.
اللافت هنا أن تلك المداولات كانت قد جرت في أعقاب، أو في أتون، المحادثات التي كان يجريها المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك، مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين في جنيف حول سورية، وماكغورك كان قد حمل في السابق توصيف «عراب» التسوية التي حصلت في الجنوب السوري العام 2018، ثم حمل التوصيف نفسه عشية الإعلان عن صفقة تمرير الغاز المصري إلى لبنان، حيث أشارت تقارير صحفية أميركية إلى دور بارز كان قد لعبه الأخير في إقناع القاهرة بقبول تلك الصفقة، ومن الراجح أن المحادثات، التي لم يرشح عنها شيء يذكر، كانت قد عقدت لترميم الثغرات، التي تستولدها الأحداث عادة، الناجمة عن القمة الروسية الأميركية المنعقدة في جنيف 16 حزيران الماضي، ومن الراجح أيضاً أن فعل الترميم سوف يشهد فصولاً أخرى تبعاً لما تقتضيه الحاجة، لكن يمكن القول إن ما تحقق من هذا الفعل الأخير حتى الآن كاف لوقف التداعي في «الجدران السورية» بكل ما يحمله هذا الأخير من مخاطر لحدوث انهيارات كبرى سوف تطول المنطقة برمتها فيما لو حصلت.
هنا يمكن رصد تحول كبير في السياسة الأميركية تجاه نظرتها للتسوية السياسية المفترضة للأزمة السورية، وهو، أي ذلك التحول، من النوع الذي يمكن البناء عليه، وما توحي به المؤشرات المتوافرة حتى الآن هو بدرجة كافية للقول بأن واشنطن باتت اليوم مهيئة للقبول بتسوية سياسية للأزمة السورية أكثر من أي يوم مضى.
من الراجح، إذا ما أردنا وضع تصور أولي لما يدور في غرف صناعة القرار الأميركي تجاه سورية، أن واشنطن باتت مقتنعة بتسليم موسكو ملف التسوية السورية «من بابه إلى محرابه»، لكن ضمن ضوابط متفق عليها، والراجح أيضاً أن موسكو لا تعارض كثيراً تلك الضوابط التي تتمسك بها واشنطن لإعطاء الأولى صك توكيل يمنحها حرية أكبر نحو دفع العربة السورية على سكة الحل.
هذا يعني، إذا ما صحت تلك الفرضية التي هي كذلك على الأرجح، أن ملفي إدلب وشرق الفرات باتا على موعد مع الحل قريباً، وهما، أي ذينك الملفين، يمران اليوم بمرحلة هي أشبه بدخول «العجينة إلى بيت النار» التي تعني، حتماً، خروجها منه رغيفاً ناضجاً.
في 9 أيلول الجاري قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي جمعه مع أحد نظرائه في موسكو العبارة التالية: «يحتاج الزملاء الأتراك إلى تنفيذ الاتفاقات التي توصل إليها رئيسا دولتي روسيا وتركيا في أيلول 2018، وتنص هذه الاتفاقات على فصل المعارضة الطبيعية المعتدلة عن الإرهابيين، وبشكل أساسي عن «هيئة تحرير الشام»، صحيح أن هذا العمل جاء، ولكن للأسف لم يكتمل بعد».
جاء ذلك التصريح في أتون عمليات جراحية كانت تشهدها منطقة الشمال الغربي من سورية، وهي أشبه برمي التمهيد المدفعي الذي يسبق العمليات البرية عادة، أما طول أمد هذا الفعل الأخير فهو أشبه ما يكون بإتاحة الفرصة لتجاوز «الاستئصال»، ومن المؤكد أن جرس الإنذار سوف يقرع معلناً انتهاء الوقت «بدل الضائع» أواخر الشهر الجاري الذي سيشهد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي.
في التوقعات الراسمة لذلك اللقاء يمكن القول إن أردوغان سيكون في سوتشي، في موقف هو الأضعف مما كان عليه في كل اللقاءات السابقة التي جمعته مع نظيره الروسي منذ لقاء المصالحة الشهير بين الاثنين في آب من العام 2016، انطلاقاً من المعطيات الداخلية التركية التي تشير إلى واقع مأزوم على الصعيدين السياسي والاقتصادي في آن واحد.
ثم انطلاقاً من معطى مهم قد يزيد أهمية عن الأول، وهو يتمثل بوهن «القلب» التركي الذي لم يعد قادراً على إيصال الدم لكل الأوردة والشرايين التي أضاف لها أردوغان «وصلات» بغية إطالتها، وما سيزيد من بلة الطين أن أردوغان سيلقى «القيصر» وهو منتش بتصدع كبير، بل وغير مسبوق، كان قد شهده حلف «الناتو» مؤخراً بإعلان الولايات المتحدة عن التحالف الأمني الإستراتيجي الذي جمعها إلى جانب كل من بريطانيا وأستراليا في الخامس عشر من أيلول الجاري.
هذه المعطيات ستدفع إلى أحد خيارين، الأول إمكان إيجاد تلاقيات تضمن تسوية لملف الشمال الغربي من سورية تحت سقف السيادة السورية، وبجدول زمني معلن وواضح، وفي حال التعثر فإن ثانيهما، العسكري، سيكون هو الخيار النافذ، وكلا الخيارين سيعني أن احتمال حدوث صدع تركي روسي في سوتشي هو أمر وارد برغم أرقام معدل التجارة القائم بين البلدين، وبرغم ملف الغاز، استهلاكاً ومروراً، فالمؤكد، وفق المعطيات السابقة، هو أن ذينك الورقتين لن تكونا قابلتين للاستخدام التركي راهناً.
في ملف شرق الفرات تتلمس القيادات الكردية اتجاه الرياح القادمة، والتي تشي باحتمالية تكرار السيناريو الأفغاني في سورية، الأمر الذي يمكن لحظه في التقارب الحاصل ما بين تلك القيادات وبين موسكو مؤخراً، ومن الراجح أن تلك القيادات باتت على يقين بوجوب التوجه نحو دمشق، ولربما كان ذلك هو ما سمعته، أو ستسمعه، السيدة إلهام أحمد «الرئيسة المشتركة لمجلس سورية الديمقراطية» في نيويورك مؤخراً عشية زيارتها لها على هامش الدورة الـ76 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا سيعني أن ملف شرق الفرات ماض هو الآخر نحو سياقات الحل، لكن بشكل مغاير تماماً لسياقات نظيره السابق.
باتت المناخات الدولية المتخمة بصراعات كبرى تميل نحو طي الأزمات الصغرى، بدءاً من الأزمة السورية، ومروراً باليمن والعراق، ثم وصولاً إلى ليبيا، أو بمعنى آخر تميل نحو إيجاد حلول لتلك الأزمات، تكون من النوع الخادم لها، في سياق تلك الصراعات التي نقصد بها هنا: الكبرى.