ما السعادة؟.. بقلم: حسن مدن

ما السعادة؟.. بقلم: حسن مدن

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١

«كنت أشعر أنني سعيد لكن ما سبب سعادتي؟ لم أتمن شيئاً ولم أفكر في شيء. كنت سعيداً». – هكذا يقول بطل إحدى الروايات، ليضعنا أمام السؤال السهل – الصعب: هل يحدث أن نشعر بالسعادة دون أن نعرف لذلك سبباً؟ ويصح السؤال المعاكس أيضاً: هل يحدث أن نشعر بالضيق، أو حتى الكآبة، دون أن نعرف ما هو السبب، خاصة إذا كثرت من حولنا المحبطات؟
لكن لنبقى في دائرة السعادة، ونترك الضيق والكآبة جانباً الآن.
شخصية أخرى في الرواية نفسها خاطبت البطل السعيد، وفي سياق بعيد بعض الشيء، بالقول: «في التصورات تُحلق كما النسر، ويخيل إليك أن بوسعك زحزحة الأرض من مكانها، لكن ما أن تبدأ التنفيذ حتى يدب فيك الوهن والضعف».
بعد عدة صفحات من الرواية، وفي حوارية بين بطلها وعاشقته آسيا، وهذا هو اسم الفتاة، الذي اختاره الكاتب إيفان تورجينيف عنواناً للرواية نفسها أيضاً، ولعل (آسيا) بالذات هي سبب السعادة الغامضة التي انتابت البطل، حتى لو لم يفطن هو تماماً إلى ذلك، أو شاء عدم الاعتراف به، تقول الحبيبة مخاطبة محبوبها: «لو كنا أنا وأنت طائرين، لكنّا حلقنا وطرنا وغرقنا في لجة السماء الزرقاء، لكننا لسنا بطائرين»، ولكن الحبيب، في غمرة حماسه واندفاعه العاطفي أجابها: «يمكن أن تنمو لنا أجنحة. ثمة مشاعر ترفعنا عن الأرض. اطمئني، سيصبح لديك جناحان».
ومرة أخرى، بعد عدة صفحات من الرواية، تعود الحبيبة لتُذكر المحبوب: «هل تذكر ما قلته لي عن الأجنحة. لقد نما لديّ جناحان لكن ليس ثمة مكان أطير إليه؟ وهنا حاول المحبوب أن يرفع معنوياتها مجدداً بالقول: «كل الطرقات مفتوحة أمامك»، لكنه لم يظهر واثقاً بما فيه الكفاية، حتى أن عبارته خلت من حمولة التفاؤل التي بشّر فيها فتاته بأنه سينمو لديها جناحان.
أتراه عاد إلى مقولة صديقه حول أن الشعور بالتحليق كما النسر موجود في التصورات فقط، وما أن نشرع في التنفيذ حتى يدب الوهن والضعف في النفوس؟
هذا هو المرجح، وتؤكده عبارات وردت قبل خاتمة الرواية بقليل، على شكل منولوج بين البطل ونفسه، وفيها يقول: «هل سأكون سعيداً غداً؟ لكن ليس للسعادة غد وليس لها أمس. إنها لا تذكر الماضي، ولا تُفكّر بالمستقبل، إن لديها الحاضر، وهذا أيضاً ليس يوماً. بل لحظة خاطفة».
أليس هذا ما عناه عمر الخيّام وحفظناه بصوت أم كلثوم: «لا تشغل البال بماضي الزمان/ ولا بآتي العيش قبل الأوان/ واغنم من الحاضر لذاته/ فليس في طبع الليالي الأمان»؟