شاي أسود ثقيل.. بقلم: يوسف أبو لوز

شاي أسود ثقيل.. بقلم: يوسف أبو لوز

تحليل وآراء

السبت، ٢٧ نوفمبر ٢٠٢١

وضع الكاتب الألماني كريستوف بيترز «1966»، كتاباً حول ثقافات الشاي في العالم، نقله من الألمانية إلى العربية د. سمر منير، منشورات العربي للنشر والتوزيع 2018، وستكون للقارئ الصديق جلسة طويلة مع هذا الكتاب الحلو مثل حلاوة الشاي في مقالة مقبلة، ولكن الآن أحببت أن أنقل إلى القارئ شغف المؤلف كريستوف بيترز بمصر، وكيف زارها للمرة الأولى، وما هي انطباعاته باختصار عن شرب المصريين للشاي؟، في مصر يقول إنه وعى للمرة الأولى أن الشاي ليس مجرد مشروب يحتسيه فحسب، «وإنما يكاد يكون مادة سحرية تحمل الناس على الجلوس معاً وسرد الحكايات والإصغاء لبعضهم بعضاً»، ويقول إنه حينما يتم صبّ الشاي يسود السلام ويظهر كرم الضيافة وتتواصل الأحاديث.
غير أن ما يهم هنا الإشارة إليه هو المناخ السياسي والأمني والاجتماعي الذي صوّره بيترز عند زيارته للمرة الأولى لمصر، وكان ذلك في العام 1933، وآنذاك كان يتابع تقارير عمّا سمّاه «الإرهاب المتأسلم» تملأ نشرات الأخبار، وهنا، شعر بالخوف وكان يتردد في ركوب الطائرة المتجهة إلى مصر من فرانكفورت، لكن يقول إنه حين هبط في القاهرة، تبدّد كل الشعور بالخوف فجأة، وحلّ محلّه كما قال شعور باليقين لخّصه بالقول «هنا لا يمكن أن يصيبني مكروه». ويقول آنذاك لم يكن هناك سيّاح تقريباً في البلد، لكنه كان يتنزّه في الأسواق الخاوية من دون أن يحمل أيّ هم، «لم تكن هناك طوابير انتظار عند الإهرامات، وكنت أقف وحدي أمام القناع الذهبي لتوت عنخ آمون».
كانت رحلة أو إقامة بيترز في مصر نقطة تحول في حياته كما يقول في مقدمة كتاب الشاي. وكان قلبه كما كتاب يقفز من السعادة في كل مرة يزور فيها القاهرة، لا بل لم يؤثر شيء في حياته منذ أن أصبح فتىً يافعاً على مساره الفكري مثل إقامته في مصر.
في القاهرة أخذ يقرأ كل ما يرتبط بمصر والإسلام. تعلم اللغة العربية ودرس القرآن الكريم، وقرأ لفقهاء الدين وعلماء المسلمين والمتصوفة، وأخذه شغفه بمصر إلى زيارة مكة والمدينة المنورة، ويقول إنه كان يلقى كل حفاوة غامرة بالمحبة في كل الأماكن العربية والإسلامية التي زارها وقابل فيها أئمة وعلماء من المغرب إلى لاهور. «إلّا أن مصر، لا سيما القاهرة تعدّ دائماً المكان الذي اشعر فيه أنني في بيتي».
وُلِدَ الشاعر الايطالي جوزيبي اونجاريتي (1888- 1970) في الإسكندرية، وكانت مربيته سيدة مصرية نوبية تدعى «بخيتة»، وعمل في حفر قناة السويس كما جاء في سيرته في الموسوعة الحرة، وفي الإسكندرية ولد وعاش أيضاً اليوناني قسطنطين كفافيس(1863-1933) «الاسكندراني» حتى العظم، صاحب قصيدة ايثاكا. وقد يكون المقصود بها الإسكندرية، وليست ايثاكة هوميروس، وعاش في مصر، في القاهرة تحديداً الرسام والكاتب الإيطالي كارمينيه كارتولانو، وما من كاتب عربي أو غير عربي في مثل حساسية وشفافية كريستوف بيترز إلّا وشعر أنه في بيته حين يكون في القاهرة.
ستكون في بيتك أيضاً إذا رحت القاهرة وشربت ذلك الشاي الأسود الثقيل، وأنت تصغي إلى الحكايات، والنكتة، وسرعة البديهة.