ما قد يحدث في ليبيا غداً.. بقلم: عبدالله السناوي

ما قد يحدث في ليبيا غداً.. بقلم: عبدالله السناوي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ ديسمبر ٢٠٢١

لم يكن هناك من هو مستعد أن يتحمل مسؤولية إعلان تعطيل الانتخابات الرئاسية والنيابية المتزامنة في ليبيا خشية أية عقوبات دولية تلحق به.
ظل قرار التعطيل معلقاً على فراغ المسؤولية دون إعلان رسمي حتى بعد أن فات الموعد المقرر.
كان ذلك تعبيراً عن فشل ذريع لحق بالخطة الأممية لانتشال ليبيا من حربها الأهلية الممتدة على مدى أكثر من عشر سنوات.
لم تتحدث حكومة الوحدة الوطنية إلى شعبها، ولا كان لديها ما تقوله، باستثناء ما ألمح إليه رئيسها عبدالحميد الدبيبة من أنه باق في السلطة لتصريف الأعمال.
كان ذلك تعلقاً بالسلطة أكثر من الالتزام بالدور الذي يخوله الإشراف على الانتخابات وضمان حسن سيرها.
بفشل خريطة الطريق انتهى دور الدبيبة، الذي اختير في 21 سبتمبر2021 رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية. فقد الدور قيمته ومعناه وبقي المنصب مطروحاً على جدول أعمال المنازعات الداخلية الطاحنة.
على الأغلب لن يزكي البرلمان أية أدوار مستقبلية للدبيبة، وقد يرشح رجلاً آخر لرئاسة الحكومة، وتعود الحياة السياسية الليبية إلى نقطة الصفر، برلمان شرعيته مشكوك فيها وحكومتان تدعيان تمثيل الشعب الليبي وموارد نفطية تنهب وأمن يتبدد مجدداً.
أزمة شرعية البرلمان سوف تزداد وطأتها بعد تعطيل الانتخابات، فدوره كان قد انتهى بانتظار نتائج الانتخابات وإعلان تشكيل برلمان جديد.
هو الآن مدعو للانعقاد للنظر في خريطة طريق جديدة، رغم أنه لم يكن له دور في صياغة خريطة الطريق السابقة.
لم يكن لدى الممثلة الأممية ستيفاني وليامز بدورها ما تقوله، كأنه ليس من صميم دورها أن تتابع إجراءات الانتخابات وضمان نزاهتها وتعبيرها عن الإرادة الحرة للشعب الليبي باستثناء أنه يجب إجراؤها «في الظروف المناسبة». بدا ذلك التصريح تعبيراً عن حالة شلل سياسي.
ما الظروف المناسبة إذاً لإجراء الانتخابات؟.. وهل يمكن أن تعقد فعلاً بعد شهر على ما دعت المفوضية الوطنية للانتخابات إذا لم تكن الظروف مناسبة؟
الأهم من ذلك كله.. ليبيا إلى أين؟
أنها لحظة انكشاف كامل أمام المخاطر المستجدة. لم يكن من حق المفوضية الوطنية للانتخابات إعلان تأجيلها، ولا من حقها إعلان موعد جديد، فدورها إجرائي لا سياسي.
حلت إداراتها ولجانها الفنية دون الرجوع إلى أي مستوى سياسي أو برلماني، وهذا يتجاوز أية صلاحية وأدوار منسوبة لها.
كان مثيراً أن تتحدث عن «قوة قاهرة» تعطل إجراء الانتخابات في موعدها دون أن تذكر ما هي بالضبط؟!
بعبارات عامة أرجعت استحالة إجراء الانتخابات إلى «التداخل القائم بين المعطيات السياسية والأحكام القضائية بشأن أهلية المترشحين».
كانت تلك من المعضلات التي انطوت عليها العملية الانتخابية المفترضة وأنذرت مبكراً بفشلها.
لم يكن ممكنا تأسيس أية شرعية دون مصالحات واسعة توحد مؤسسات الدولة، ولا هو من الممكن إجراء انتخابات عامة بمنطق الإقصاء والاستبعاد.
لم يكن الإقصاء والاستبعاد خياراً لطرف واحد، الأطراف المتنازعة حاولت كلها بدرجات مختلفة ووسائل متعددة أن تملي إرادتها المسبقة على مليونين ونصف المليون ليبي لهم حق الانتخاب في من يتولى منصب رئيس الجمهورية.
بافتراض أن الانتخابات أجريت فعلاً بلا دستور أو قواعد قانونية متوافق عليها فإنها مشروع حرب أهلية جديدة، الطرف الفائز ربما يعتقد أنه قد حصل على تفويض بتصفية الحسابات القديمة من موقع السلطة، والطرف الخاسر سوف يسارع برفع السلاح.
هكذا أعلن خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة أنه لن يعترف بنتائج الانتخابات إذا أفضت إلى فوز المشير خليفة حفتر أو سيف الإسلام القذافي ملوحاً باستخدام العنف لمنع هذين الاحتمالين.
كان لافتاً أنه يتحدث بصفة انتفت بعد انتخاب محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، يلتقي مسؤولين دوليين ويتداول معهم باسم مؤسسة غير موجودة قانونياً لكن من يقف خلفها من جماعة «الإخوان المسلمين» حاضرون في المشهد بتمركزات مسلحة داخل العاصمة طرابلس.
أحد أسباب المشري في طلب الإقصاء خشيته من خسارة جماعته الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة.
ثم كان لافتاً في تصريحاته تأكيده أن السلطات المنتخبة وحدها من تحدد بقاء القوات التي جاءت ليبيا بقرار من حكومة فايز السراج.
المعنى أنه إذا لم تكن هناك انتخابات، ولا سلطات منتخبة، فإن بقاء تلك القوات أبدي رغم الإجماع الدولي على ضرورة سحبها قبل أية انتخابات لضمان سلامتها ونزاهتها.
إذا لم يجر إصلاح دستوري بتوافق وطني واسع وتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية وتفكيك الميليشيات فإن أية خريطة طريق جديدة لا تقدر على إجراء أية انتخابات.
في اللحظة الراهنة القوى الدولية الكبرى مشغولة بما يحدث في أزمتي أوكرانيا والمشروع النووي الإيراني المتفاقمتين باحتمالات الانزلاق إلى مواجهات عسكرية.
الأزمة الليبية مؤجلة إلى حين إشعار آخر.
هذه مأساة أخرى.