المرونة كنز لا يفنى.. بقلم: أمينة خيري

المرونة كنز لا يفنى.. بقلم: أمينة خيري

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١١ يناير ٢٠٢٢

كلمات سر ومفاتيح عديدة تجعل من حياتنا في ظل كورونا ومتحوراته أسهل وأقل وطأة نفسية. علمنا عامان من كورونا الكثير من الدروس، وما زال الفيروس لا يبخل علينا بمزيد من التعلم والاستفادة ودفعنا دفعاً لاكتشاف ما لدينا من قدرات ابتكارية وإعادة اكتشاف واستكشاف ما لدينا من قدرات على النمو.
ويبدو أن وضع البشر تحت ضغوط هائلة ومفاجئة ينجم عنه فرص نمو لم تكن في الحسبان. والنمو يتعلق باكتساب وإتقان مهارات جديدة ومنها مواجهة التحديات والسعي لتحقيق الأفضل في ظل ظروف صعبة. هذا النوع من النمو يتطلب درجة عالية من المرونة، وهي إحدى كلمات السر ومفاتيح النجاح التي جعلت دولاً تتفوق على أخرى في قدرتها على المضي قدماً في الحياة في ظل كورونا ليس فقط بأقل أضرار ممكنة، بل بفتح آفاق جديدة وتحقيق مكاسب عديدة.
أثبتت لنا كورونا أن المرونة كنز لا يفنى. وأخبرتنا أن المرونة ليست انحناء أمام الريح حتى تمر العاصفة، لكنها قدرة على الانحناء حيناً ثم سرعة الاستقامة في أول فرصة ثم الاستدارة ونصف انحناءة ومعاودة الاستقامة وهلم جرا.
هذه اللياقة الإجرائية تتطلب الكثير من الذكاء وسرعة البديهة مع قدر لا يستهان به من القدرة على خوض التحديات بقلب شجاع وعقل متيقظ. العالم يتحدث عن المرونة اليوم وكأنها أيديولوجيا جديدة، وهي فعلاً هكذا لا سيما بعد ما اتضح أن العيش في كنف وباء دائم التحور وسريع القفزات وعاقد العزم على البقاء حتى إشعار آخر يتطلب اعتناق المرونة أسلوب حياة.
كل دول العالم دون استثناء تواجه فيروس كورونا، لكن جودة الحياة في هذه الدول والسيطرة على أسباب العدوى والأساليب المتبعة لإعادة الفتح والعودة إلى الحياة الطبيعية تتراوح بشكل كبير من دولة إلى أخرى.
وتخبرنا وكالة «بلومبرغ» أن دول العالم تعاملت بأشكال مختلفة مع الوباء، وهو ما يصنع فروقاً جوهرية في القدرة على التعايش بأقل أضرار ممكنة. دشنت «بلومبرغ» تصنيفاً للمرونة في نوفمبر عام 2020 وتنشر نتائج التصنيف بصفة شهرية.
التصنيف يتتبع مدى نجاح الدول في احتواء انتشار الفيروس بأقل أضرار ممكنة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. التصنيف القائم على ثلاثة معايير هي مدى اكتمال البيانات وحداثتها، والجهة التي تقوم بجمعها يأخذ عوامل مثل إعادة الفتح ونسب التلقيح وجودة الحياة في ظل الوباء.
وفي التصنيف الصادر نهاية نوفمبر الماضي تصدرت الإمارات دول العالم على قائمة المرونة في التعامل مع الوباء. وكانت ضمن سبع دول فقط في العالم حافظت على ترتيبها منذ بدايته في 2020.
والحقيقة أن هذا لم يكن غريباً. فصدمة الوباء ألقت بظلالها على الجميع، لكن سرعة استعادة التوازن وكفاءة التعامل مع الوضع الجديد واعتناق مبدأ المرونة هي ما وضعت دول العالم في مكانات مختلفة. مرونة التعليم والعمل والصحة والتنقل والسفر والمعاملات المالية وحتى الترفيه والراحة باتت جميعها أسلوب حياة.
وعلى وجه أكثر دقة، باتت أسلوب الحياة الوحيد القادرة على ضمان استمرار الحياة بشكل معقول. وكانت وتظل الإمارات ملهمة للجميع حيث العمل من أجل التعافي والتعايش، والأمل الذي هو سنة الحياة. ويكفي انعقاد «إكسبو 2020 دبي» ونجاحه بهذا الشكل المبهر رغم أنف الأوضاع والأحوال وفي ظل درجة مرونة عالية وبالغة الكفاءة.
وإذا كانت الأنظمة الكفء هي تلك التي توصلت إلى أهمية المرونة وترجمتها إلى خطوات فعلية عبر سياسات وقرارات وتوفير موارد وإمكانات تجعل المرونة أسلوب حياة، فإن الأنظمة الأكثر كفاءة هي التي تمكنت من التواصل والاتصال مع المواطنين والمقيمين لإنجاح منهج المرونة. فاستيعاب الناس لمبدأ المرونة في الحياة، وهو المبدأ الذي يحمل في جعبته احتمالات تغير مفاجئ وتعديلات لا تتوقف وذلك بحسب ظروف الفيروس وتحوراته وتحولاته، أمر بالغ الصعوبة.
الطبيعة البشرية تميل إلى الروتين، وتشعر بالأمان في كنف الأنماط المتكررة. لذلك اعتياد اللاروتين والمضي قدماً في نمط الحياة اليومية مع العلم بأن الغد قد يحمل نمطاً مغايراً تماماً تحتاج وعياً وتدريباً وطمأنة مستمرة، وهي أمور لا تتحقق إلا بالتواصل المستمر بين الدول وشعوبها.
وبينما تستمر كورونا في إثارة قلقنا ومخاوفنا، تستمر أيضاً في إدهاشنا وإبهارنا. لماذا ننبهر؟ لأننا نكتشف كل يوم قدرات كامنة لدينا لم نكن نعلم بوجودها.
ولأننا نعرف بالمتابعة والمشاهدة أن دولاً كنا نعتقدها شديدة البأس بالغة التقدم تتعثر وتواجه مشكلات كبرى في التعامل مع الوباء وآثاره، وأخرى تحقق إنجازات رائعة وتمضي قدماً بأقل خسائر ممكنة وبأعلى مرونة مستطاعة، بل ومحققة مكتسبات لم تكن على البال أو الخاطر.