حرب أوكرانيا المتوقعة منذ 23 عاماً.. بقلم: عاطف الغمري

حرب أوكرانيا المتوقعة منذ 23 عاماً.. بقلم: عاطف الغمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ٦ أبريل ٢٠٢٢

هذه رؤية سياسية تحليلية، كانت تنبأت منذ 23 عاماً، باحتمالات مستقبلية للأزمة الراهنة حول أوكرانيا. وطرحت تصوراً كاملاً للأوضاع التي ستقود إلى تلك الأزمة. من ثم فإنها دخلت في إطار علم الدراسات المستقبلية، بإدراجها في دائرة المتابعة لتوقعاتها، ما أضفى عليها مسمى الوثيقة.
 وكنت حصلت عليها أثناء عملي في واشنطن في تلك الفترة الزمنية، بعد أن نشرتها دورية World Policy Journal، كدراسة مطولة وتفصيلية للبروفيسور شيرل سكويننجر، تحت عنوان «فقدان النظام الدولي: سياسة أمريكا الخارجية في عالم ما بعد الحرب الباردة».
 
 ونظراً لما لاحظته من وجود خط متصل بين العلم بالوثيقة في عام 1999، وبين ما يجرى الآن في عام 2022، باشتعال أزمة الحرب في أوكرانيا، فإنني أطرح هنا الرؤية التي تضمنتها تلك الدراسة.
 يقول سكويننجر: من الصعب علينا أن ننكر رد فعل روسيا تجاه توسع حلف الناتو. وهو ما ينذر بنزاع خطير في منطقة تعاني عدم الاستقرار. وهناك سياسة أمريكية تهدد بتفاقم النزاع، نتيجة دعم هذه السياسة للدول التي ترغب في تأكيد استقلالها عن موسكو، وهي السياسة التي وصلت إلى حد إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع عدد من الجمهوريات التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق.
 وترافق مع ذلك خلق مشكلة أخرى تتمثل في شعور روسيا باستبعادها من التعامل معها باعتبارها دولة أوروبية، ما يؤدي إلى رد فعل رافض للسياسة الأمريكية.
أمام هذه الأوضاع، أصبح هناك سؤال مطروح، هو: ما إذا كان في الإمكان أن تدخل الولايات المتحدة وروسيا، في مفاوضات من أجل صياغة علاقة من شأنها تجنب حدوث منافسة استراتيجية في منطقة معبأة بالمشاكل، خاصة قرارات توسيع حلف الأطلسي، ليضم الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت أعضاء في حلف وارسو، وهو ما يلقى معارضة عاتية من روسيا.
 وتصل الوثيقة إلى حالة أوكرانيا كواحدة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتقول إن ذلك يهدد بحدوث انقسام في أوكرانيا بسبب إمكان انضمامها إلى حلف الناتو. وهذا الانقسام سيحدث بين الأحزاب اليمينية التي تتمسك ببقاء أوكرانيا داخل «الناتو»، وبين أحزاب يسار الوسط التي تعتبر الأكثر تعاطفاً مع روسيا، وتدعم فكرة إقامة علاقات وثيقة معها، ومن الصعب أن ننكر أن رد فعل روسيا لتوسيع عضوية الناتو، من وجهة نظر موسكو هو نتيجة شعور متزايد لدى الحلف، بتزايد قوته كلما انضمت إليه تلك الأعداد من الدول، ما يجعله في مركز قوة تضاعف من شعوره بقدرته على فرض إرادته على روسيا الضعيفة. وتلك هي نظرة الغرب عامة تجاه موسكو بعد انتهاء الحرب الباردة.
  ونتيجة لكل ذلك، فإن روسيا خرجت من هذه التجربة بأنه يجب عليها تنظيم مجال نفوذها الحيوي، ليكون هناك توازن بينها وبين الناتو، وبحيث يكون أي اتفاق مستقبلي حول العلاقة بينهما، مبنياً على علاقة بين أطراف متساوين.
ويضيف البروفيسور سكويننجر إن خطورة هذه الأوضاع معروفة تماماً، إذا لم يتم التعامل معها بتدبر وهدوء. ثم إن مفهوم توسيع عضوية «الناتو»، يمكن أن يخلق أضراراً ليست في مصلحة نظام عالمي مستقر، فضلاً عن أن السياسة الأمريكية التي تدعم الذين يعملون على تأكيد استقلالهم عن موسكو، تهدد بتفاقم هذا النزاع.
 ونتيجة لعدم قدرة موسكو على منع دول جوارها من الانضمام للناتو، فإن البعض من المسؤولين في دوائر صنع السياسة الخارجية الروسية يتحدثون عام 1999، عن إيجاد منطقة خارج نفوذ «الناتو»، تمتد من أوكرانيا وبيلاروس في الشمال، متجهة إلى القوقاز.  وتتطرق الوثيقة إلى سياسة أمريكا الخارجية بعد انتهاء الحرب الباردة، وتوضح أن النخبة السياسية في أمريكا لديها هدف فرض هيمنة أمريكا على العالم، بعد أن سار لديهم الشعور بأن بلدهم صارت القوة العظمى الوحيدة، عقب نهاية الحرب الباردة.
 وفي الوقت نفسه، يقف أمام هذا الاقتناع، عدم استعداد الولايات المتحدة لتحمّل نفس أعباء ومسؤوليات قيادة العالم، فضلاً عن أن الرأي العام الأمريكي لم يعد يتقبل تحمّل دولته الأعباء نفسها التي كانت تتحملها في زمن الصراع الأمريكي السوفييتي، أي أن الحالة الأمريكية الآن تريد جني الثمار، مع الابتعاد عن مخاطرة.
 تلك الرؤية التحليلية التي تحمل نظرة مستقبلية لأحداث وقعت بعدها بثلاثة وعشرين عاماً، جعلها توصف بالوثيقة التاريخية.