سقراط بديلاً للحليب بالشوكولا..بقلم: حسن مدن

سقراط بديلاً للحليب بالشوكولا..بقلم: حسن مدن

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ مايو ٢٠٢٢

كانت أمام الكاتب والفيلسوف السويسري ألن دو بوتون بضع ساعات تفصله عن موعد رحلته من نيويورك إلى لندن، حين وجد نفسه في جاليري مقفر في أحد طوابق متحف متروبوليتان للفنون. كان همّه لحظتها بلوغ أي كافتيريا في المتحف لشراء واحتساء كأس حليب بالشوكولا من صنف كان مغرماً به، فراح يبحث عن أي إشارة ترشد إلى الكافتيريا، حين انجذبت عيناه نحو لوحة تشير القصاصة تحتها إلى أنها رسمت في باريس خريف عام 1786 من قبل الفنان جاك لوي دافيد، حين كان في الثامنة والثلاثين من عمره.
تصوّر اللوحة الفيلسوف الإغريقي الشهير سقراط، وهو يتهيأ لشرب سم الشوكران لتنفيذ حكم بالإعدام أصدره ضده حكام أثينا يومها، بعد إدانته بامتناعه عن عبادة آلهة المدينة، وباختلاق بدع دينية، وإفساد شأن أثينا وأهلها، وبدا سقراط في اللوحة محاطاً ببعض مريديه وتلاميذه الذين حبسوا دموعهم بناء على طلب منه، ويذكر أن سقراط خُيّر بين التراجع عن آرائه، أو تنفيذ إعدامه، فعزّ عليه أن يتخلى قيد أنملة عما آمن به، وآثر الموت على ذلك.
بحكاية هذه اللوحة التي استوقفته في المتحف النيويوركي، استهلّ آلن دوا بوتون كتابه المهم «عزاءات الفلسفة» الصادر عن «دار التنوير» في بيروت بترجمة إلى العربية وضعها يزن الحاج، ليعرض لنا تجارب فلاسفة مختلفين، كي يجعلوا من الفلسفة عزاءات تعين على حل المشكلات الإنسانية.
يتناول الكتاب ستة أنواع من العزاءات، فبالإضافة إلى تجربة سقراط الذي آثر الثبات على موقفه متصالحاً مع نفسه، على الرغم من معارضة الآخرين له، يقودنا المؤلف، ومن خلال سرد موجز لحياة الفيلسوف أبيقور، إلى ما تيسره لنا الفلسفة الأبيقورية من حصول على سعادة مرتجاة عبر الحرص على الصداقة، والحرية المالية، والتفكير.
مثل سقراط، حكم الإمبراطور نيرون بالموت انتحاراً على الفيلسوف سينيكا، فتلقى، هو الآخر، الحكم بهدوء شديد، ومن تجربته يرى المؤلف أنه بوسع الفلسفة أن تعيننا على وقاية أنفسنا من أكبر مسببات الإحباط، وهو رفع مستوى التوقعات، والتمادي في أمنيات غير واقعية، فيما الفيلسوف مونتين فيساعدنا على العزاء بشأن كافة أوجه العجز، الحياتي منها والثقافي والفكري وغيرها، أما نيتشه فهو سيّد العزاءات من صعوبات الحياة.
هل يمكن الحديث عن العزاءات دون أن يقفز إلى الذهن العزاء من الخيبات العاطفية، حين ندرك أن الواقع صارم حدّ القسوة التي تحول دون أن تكون مشاعرنا طليقة، ونجد أنفسنا محمولين، اضطراراً، على كبح جماح هذه المشاعر وهي في عنفوان تدفقها؟ لذا يرى المؤلف أن الفيلسوف الألماني شوبنهاور يلهمنا العزاء للتغلب على خيبات الحب وانكسارات القلب.