لماذا أقدمت إسرائيل على إعدام شيرين أبو عاقلة؟.. بقلم: ستيفن سلايطة

لماذا أقدمت إسرائيل على إعدام شيرين أبو عاقلة؟.. بقلم: ستيفن سلايطة

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٠ مايو ٢٠٢٢

مباشرة، وبعد إقدام جنود إسرائيليين على إعدام مراسلة «الجزيرة» شيرين أبو عاقلة، وإطلاق النار على الطاقم المرافق لها، بدأ المراقبون بالتساؤل، كيف لهذا الحدث الشنيع أن يحدث؟ ولماذا تقدم إسرائيل على قتل صحافية معروفة على نطاق العالم العربي؟ تحمل الجنسية الأميركية، مرتدية كامل عدتها وزيّها الصحافي؟ بمنظور ما، بدا الأمر كخطوة غير منطقية تضر بصورة إسرائيل وعلاقاتها العامة. باستثناء، أنه وفي واقع الأمر وبمنظور معين، كان قتل أبو عاقلة منطقياً بشكل مؤلم ومكلف.
إن البحث عن تفسيرات منطقية لما يبدو أنه كأعمال عنف طائشة لهو أمر طبيعي، إلا أن هذه التفسيرات مرهونة بالظروف المادية. انطلاقاً من ذلك، علينا فهم عملية القتل هذه ضمن سياق الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. حيث إنه وباستخدام المنظور الإنساني السائد في المجتمعات المدنية، يبدو سلوك إسرائيل محيّراً. فقد كان الجنود على دراية بأنهم لا يستطيعون التعتيم على أفعالهم، وأن استهداف الصحافيين سيؤدي إلى غضب عالمي، إلا أنهم وعلى الرغم من ذلك كله أقدموا على قتل أبو عاقلة على مرأى ومسمع العالم أجمع. وهنا يبرز سؤال، لماذا؟
يقتضي علينا للوصول إلى إجابة أن نفهم سايكولوجية المستعمر. فنحن هنا، وقبل كل شيء، لا نتعامل مع معايير المجتمع المدني العادية، فسياقنا هو احتلال عسكري، وضمن هذا السياق يمسي عنف الدولة غير المبرر أمراً طبيعياً. فيتضح من خلال ذلك أن لقتل أبو عاقلة غاية مباشرة تتمثل في إسكات صوت بارز للمقاومة الفلسطينية، صوت يفضح جرائم العدوان الإسرائيلي.
رغم ذلك، فللقصة تتمة، حيث إنه يتوجب علينا أيضاً تمحيص الافتراضات التي تقف خلف الرغبة في وجود تفسيرات بسيطة ومختزلة. كمحاولة المراقبين إيجاد أجوبة لأسئلة متناقضة وغير منطقية، وذلك من خلال تكرار محاولة البحث عن الأسباب المحددة التي أدت إلى قتل أبو عاقلة. بيد أنهم يقعون هنا في فخّ لوم الضحية، ولو ضمنياً، على معاناتها ومأساتها. وذلك تحت افتراض أن الجنود الإسرائيليين لا يطلقون النار على الأبرياء اعتباطاً، وعليه يجب أن يكون الصحافيون قد فعلوا شيئاً لاستفزازهم.
لكن هذا بالضبط ما يفعله الجنود الإسرائيليون، يقتلون الأبرياء، فقد قتلت إسرائيل حوالي خمسين صحافياً خلال العقدين الماضيين. قد يكون واحد أو اثنان نتيجة استهداف اعتباطي بينما الخمسون البقية يعكسون سياسة استهداف مباشرة ومنهجية.
والأهم هنا أننا لا نحتاج إلى اللجوء إلى التحقيق في سلوك الضحية للحصول على إجابات لعنف المستعمِر، فهو عنيف بسبب الاستعمار نفسه. بناءً على كل ذلك، ليست هناك حاجة للبحث عن أسباب مقنعة لقتل أبو عاقلة وفقاً لمنطق المعايير المدنية والمتحضّرة. لا يحتاج المستوطن إلى «سبب» لقتل المواطنين المستعمَرين، فالمستوطن يقتل لأن تجريد المستعمَرين من وجودهم هو شرط مسبق لهويته الاجتماعية، وهي انعكاس لكل من وضعه القانوني وموقعه الطبقي.
هاجمت القوات الإسرائيلية بوحشية نعش أبو عاقلة وهو على أكتاف المشيّعين - منتهكةً حرمة شهيدتنا الغالية رغم موتها - الأمر الذي يؤكد من جديد على حقيقة أن المستوطن يقدم على القتل مستغلاً استضعاف المستعمرين وقلة حيلتهم. وهو يبرز أيضاً دافعاً آخر وأكثر أهمية للعنف الاستعماري، فالمستوطن لا يقتل لمجرد القتل، بل إن غايته الأساس هو محو وجود المستعمَرين.
لم يكن هجوم الجنود الإسرائيليين على جثة أبو عاقلة سوى لأن قتلها بالنسبة إليهم لم يكن كافياً. فلقد احتاجوا إلى محوها وطمس وجودها من على أرضها التي اغتصبوها تحت ذريعة حقّهم «الإلهي» فيها. فجسد شيرين شاهد يهدّد أسطورة حقهم على هذه الأرض، وعليه يعكر نفسية وشعور المستوطن بذاته. وهذا التهديد تحديداً هو ما يقف خلف كثير من سياساتهم؛ من تدنيس المقابر الإسلامية القديمة واستزراع النباتات لكي تغطي بقايا القرى الفلسطينية المهجّرة والمطهّرة عرقياً.
لم يهاجم هؤلاء الجنودُ المشيّعين لأنهم كانوا منفلتين عن سطوتهم، لكنهم هاجموهم لأن أجساد المشيّعين هي الأخرى لم تكن في توابيت. باختصار، إن عنف المستوطنين لا نهاية له، وهي الطريقة الوحيدة التي يعرف بها كيف يكون مواطناً صالحاً. وفي نهاية المطاف، هي الطريقة الوحيدة لكي يكسب وجوده على هذه الأرض أي معنى.
 
* أكاديمي فلسطيني- أميركي متخصّص في شؤون المضطهدين والعنصريّة في أميركا