أسعد الناس.. بقلم: رشاد أبو داود

أسعد الناس.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ مايو ٢٠٢٢

بعد عشرات السنين تلتقي زملاءك في الابتدائية أو المتوسطة الإعدادية، خاصة أولئك الذين فارقتهم وفارقوك بانتهاء تلك المرحلة من الحياة.
تستعيدون الذكريات وتعيشون لحظات زمن كما لو أنه توقف هناك.
من بينهم تجد من أصبح طبيباً أو صحافياً أو تاجراً أو مهندساً أو مقاولاً. وقد تجد منهم الرياضي والمدير وصاحب السوبرماركت ومن يمارس الأعمال الحرة بفروعها المختلفة بغض النظر عن قانونيتها ومشروعيتها. لكن، أيهم أكثر سعادة في حياته؟
ربما تفاجأ أن من كان يحصل على علامات أكثر، أقل سعادة من الذي كان يجلس في منتصف الفصل. والذي كان مهملاً، يجلس في المقاعد الخلفية، لا يحفظ الدروس ويسخر منه الطلبة، هو الأكثر مالاً وجاهاً.
سألت زميلي في الابتدائية، المليونير القادم من أمريكا، عن زميلنا الطبيب الذي كان كئيباً عندما التقينا لأول مرة بعد سنين طويلة قال: إنه تعيس في حياته العائلية والمهنية. لقد اكتفى بما درسه في الطب في إيطاليا، فتح عيادة ولم يواكب العلم والتطور في مهنة الطب. إنه تعيس جداً. لقد توقف فيما الزمن لا يتوقف، يجري ويترك من يتوقف مكانه.
يحكى أن أباً نصح ابنه المجتهد في المدرسة بقوله: لا تستهن بزميلك الكسول. فقد يأتي يوم وتعمل مهندساً في شركته!
مما قرأت أن مدرسة في سنغافورة أرسلت رسائل إلى أولياء أمور الطلبة عشية الامتحانات جاء فيها:
أعزائي الآباء، إن امتحانات أبنائكم على الأبواب، ونحن واثقون أنكم قلقون جداً بخصوص أدائهم، لكن تذكروا جيداً أنه:
بين هؤلاء التلاميذ الذين سيدخلون الامتحانات، هناك فنان ليس من الضروري أن يفهم الرياضيات، وهناك مقاول ليس من الضروري أن يتقن التاريخ، هناك موسيقي ليس من الضروري أن يتفوق في الكيمياء، كما أن هناك رياضياً صحته الجسدية ولياقته البدنية أهم من علاماته في الفيزياء.
فإن حصل ابنكم على علامات عالية، فهذا أمر عظيم، أما في حالة عدم حصوله، فلا تجعلوهم محط سخرية وتقريع ولا تجعلوهم يفقدون ثقتهم بأنفسهم. قولوا لهم إنكم تحبونهم، طمنوهم أنكم لن تتخذوا منهم موقفاً بسبب علاماتهم. بعدها شاهدوا أبناءكم وهم يحققون نجاحاتهم. امتحان واحد وعلامة سيئة لن تسرق منهم أحلامهم. لا تفكروا للحظة أن المهندسين والأطباء هم أسعد الناس. فلكل فرد عمله وأهميته، والناجح هو من يتقن عمله في مجاله مهما كان هذا المجال.
السعادة نسبية والقناعة «كنز لا يفنى» كما كانوا يعلموننا في المدارس، والتي كان يعلقها أصحاب الدكاكين في الحارات في صدر دكاكينهم. لكن القناعة لا تعني التواكل والركون إلى الراحة السهلة على حساب العمل والتعب والعرق.
تماماً كما هي الحياة، فلا تضع على عينيك نظارة سوداء وتقول لماذا الدنيا معتمة، ولا تنظر إليها بعيني غيرك. الحياة كما تراها أنت لا كما يراها غيرك.
في الإجابة عن سؤال ما هي الحياة، قال غاندي إنها الحب. أينشتاين قال إنها المعرفة. بيكاسو قال إنها الفن. ستيفن هوكينغ يراها الأمل. أما فرويد قال إنها الموت. شوبنهاور قال إنها المعاناة. وكافكا قال إنها النهايات.