التصويب الهادف.. بقلم: أمينة خيري

التصويب الهادف.. بقلم: أمينة خيري

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ أغسطس ٢٠٢٢

العالم يعاني الأمرين من مجريات الطبيعة وتصرفات البشر. وأول مسددي الفواتير هم الشباب، لا لذنب اقترفوه أو اختيار فضلوه، ولكن لأنهم المستقبل المنوط به تحمل نتائج الحاضر من جهة، ولأنهم في طور التكوين من جهة أخرى. ويظل هذا التكوين أرضاً خصبة يمكن الاستثمار فيها وتقليص حجم الأضرار الحالية وضمان أوفر قدر ممكن من المميزات والفوائد المستقبلية.
في مارس الماضي، أخبرنا البنك الدولي أنه لا توجد منطقة واحدة في العالم لا يعاني شبابها من البطالة. لكن المعاناة درجات. ولسوء الحظ، فإن شباب المنطقة العربية يحظون بالمرتبة الأولى. نحو ثلث الشباب العرب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 عاماً عاطلون عن العمل. لكن تعليق النسبة على شماعة «سوء الحظ» فيه ظلم للحظ.
الحظ قد يكون مسؤولاً حين يسدد اللاعب هدفاً صاروخياً موجهاً مدروساً صوب المرمى، ثم تهب رياح عاصفة مفاجئة تغير زاوية الكرة. أما أن يتم توجيه الأهداف في منتصف الملعب وأركانه بعيداً عن المرمى، فهذا ليس سوء حظ، بل سوء تصويب.
حين تكون مناهج الألفية الثالثة جديرة بخمسينيات وستينيات القرن الماضي، فهذا سوء تصويب. وحين تكون أنظمة التدريب مناسبة لعصر ما قبل الثورة الرقمية، فهذا سوء تصويب. وحين يتوقف تجديد وتحديث التخصصات الدراسية، ولا سيما المهنية والجامعية، وتظل مقتصرة على ما كان مجدياً ومطلوباً قبل عقود، فهذا سوء تصويب.
وحين تُترَك العوامل الديمغرافية للأهواء دون تخطيط أو توعية، فهذا سوء تصويب. وحين يستمر التحاق الشباب والشابات بالجامعات والمعاهد بأعداد إضافية كل عام مع توقف سوق العمل عن النمو، فهذا سوء تصويب. وحين تحدث كوارث أو مصائب عالمية تتطلب اتخاذ إجراءات استثنائية لتقليص الخسائر ولا يتم التحرك السريع، فهذا سوء تصويب.
وقد أصابت منظمة العمل الدولية هدفاً معرفياً وتحذيرياً جاء في وقته تماماً بإصدارها تقرير «اتجاهات التوظيف العالمية للشباب 2022» قبل أيام، وهو التقرير الذي أشار إلى أن الشباب هم الفئة الأكثر تضرراً من أوضاع الكوكب الحالية، وهو الضرر الذي يبدو واضحاً وضوح الشمس في نسب البطالة الحالية بينهم، وكذلك في توقعات التعافي المستقبلية.
مستقبل الشباب العرب الذي هو مستقبل المنطقة العربية في حاجة ماسة إلى الكثير من العمل الآني. وإذا كانت المناهج الدراسية والتخصصات الجامعية ظلت تشكو الجمود وشح التطوير على مدار عقود مضت، فإنها ستشكو التحلل والتفتت لو ظل حالها على ما هو عليه دون تحديث واستشراف.
وقد أضيف إلى هذه الأمراض المزمنة توليفة من الطوارئ المؤلمة الحالية بين وباء كوفيد 19 وآثاره، والحرب في أوكرانيا ومغباتها، وتوترات سياسية في مشارق الأرض ومغاربها تلقي بظلال اقتصادية واجتماعية ثقيلة.
الشباب يحملون العبء الأكبر من وطأة الركود الاقتصادي وتباطؤ النمو وتعثر أماكن العمل الناجمة عن الوباء وإغلاقاته. والشباب أيضاً من يجدون نفسهم في فوهة مدفع الحرب في أوكرانيا وآثارها الاقتصادية الحالية والمستقبلية، ناهيك عن أن «منظمة العمل الدولية» كانت قد خفضت توقعاتها لانتعاش سوق العمل في بداية العام الحالي.
لذلك فإن أية جهود أو مبادرات أو حلول عربية يتم طرحها تتطلب أولاً درء شبح البطالة عن الشباب، ولا سيما إن كانت حلولاً تتسم بالاستدامة والقدرة ليس فقط على استيعاب أكبر عدد ممكن منهم في أسواق العمل دون أن يكون هناك عوائد إنتاجية وتنموية، بل لخلق سوق عمل قادرة على مواكبة المستقبل.
متطلبات المستقبل تشير إلى اقتصادات ملونة. الاقتصاد الأخضر الذي يدعم رفاه البشرية وعدالتها الاجتماعية مع الحفاظ على البيئة قادر على توليد ملايين الوظائف على مدار العقدين المقبلين. والاقتصاد الأزرق الذي يستغل البيئة البحرية ويحافظ عليها في آن ويدير مواردها بشكل آمن ومستدام قادر أيضاً على خلق وظائف للشباب مع الحفاظ على النظام الإيكولوجي للمنطقة.
والاقتصاد البرتقالي القائم على أنشطة في الصناعات الثقافية والإبداعية هدفها الرئيسي إنتاج وتوزيع منتجات مستمدة من الأصول الثقافية والفنية والتراثية تولد مهناً وفرص عديدة. هذه الألوان من الاقتصادات، التي هي في القلب من مستقبل يتمتع بالاستدامة والكفاءة وفرص العمل الجيدة واللائقة للشباب، بالإضافة إلى الاقتصاد الرقمي قادرة على إحداث نهضة عربية.
فعوامل نجاح هذه الاقتصادات متوافرة عربياً، سواء عوامل طبيعية أو بشرية. ونحمد الله كثيراً على أن دولاً محورية في المنطقة وعلى رأسها الإمارات ومصر قطعت شوطاً في استشراف مهن المستقبل والتحضير لها على أرض الواقع الاقتصادي. هذا هو التصويب الهادف.