ورطة عالمية كبرى.. بقلم: مفتاح شعيب

ورطة عالمية كبرى.. بقلم: مفتاح شعيب

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٢

تعبر خطابات القادة والزعماء في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام عن حالة من عدم اليقين، تسود العالم في ظل انقسامات عميقة، وأزمات حادة، بعضها يتجاوز حدود التحمل، بالنظر إلى التداعيات الكبيرة، وانعدام الثقة بين عناصر المجتمع الدولي، في الوقت الذي تفرض فيه هذه اللحظة الصبر والحكمة وحسن التدبر في ما يجعل المستقبل أفضل من هذا الوضع الحزين.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس دق نواقيس الخطر حول أكثر من قضية، وبدا متشائماً أكثر من أي وقت، محذراً من سخط عالمي هذا الشتاء، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وتدهور القدرة الشرائية، واستفحال اللامساواة، وأزمة التغير المناخي، بالتوازي مع زيادة مؤشرات العنف والصراعات، إضافة إلى مخاطر نشوب حرب باردة جديدة أو اندلاع حرب عالمية ثالثة، قد تؤدي إلى «احتراق الكوكب» حقيقة لا مجازاً. للمرة الأولى منذ تأسيس الأمم المتحدة، يصبح الحديث عن الخيار النووي أمراً علنياً وخياراً مطروحاً، لاسيما بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة في أوكرانيا. وهذه المشكلة الكبرى ذاهبة إلى مزيد من التعقيد، في ظل انكفاء المساعي السلمية ومبادرات خفض التصعيد، وغياب أي بارقة ضوء في هذا النفق الطويل الذي دخله العالم مع جائحة “كوروناط، وتفاقم مع تداعيات الأزمة الأوكرانية وما تلاها من استقطاب وزيادة خطابات الكراهية والتنابز بين قوى يفترض أنها مسؤولة عن الأمن والسلام ومستقبل البشرية.
حالة الإحباط الشديدة التي تسود الأمم المتحدة ينذر ظاهرها بتطورات غير متوقعة، قد تضع الجميع في ورطة كبرى، فالتهديدات القائمة لم تتراجع أو تنحسر؛ بل تتصاعد من يوم إلى آخر، وصنّاع القرار باتوا عاجزين عن الفعل الإيجابي لتخفيف التوترات، وبدل التحرك الواعي لدرء المخاطر، تكرّس الخطابات الدائرة حالة الانقسام بين شرق وغرب، وشمال وجنوب، بينما يخفت صوت السلام، الذي يجب سماعه بانتباه من الجميع، لأنه أثمن ما تملكه البشرية في مثل هذه الظروف. ودون يأس من الأمل، فربما تنتهي اجتماعات الدورة ال77 للأمم المتحدة بما يحول الإحباط إلى تفاؤل، خصوصاً وأن هذا المنتدى الدولى الواسع، سيجمع على هامشه لقاءات ومؤتمرات واجتماعات على مستوى القادة والمسؤولين، لبحث كل القضايا المستجدة، والنظر فيها بعين الأمل إلى المستقبل، فالصراعات المحتدمة والتخندق وراء الأحلاف والعودة إلى السجلات اللغوية للحرب الباردة وما قبلها، لن ينفع العالم في شيء؛ بل سيزيد في تدهور الوضع، ويجعله عرضة لمغامرات غير محسبوبة وأخطرها اندلاع صراع نووي.
من المؤلم أن تتزامن اجتماعات الجمعية العامة مع إعلان روسيا تعبئة جزئية للاحتياط، هي الأكبر في جيشها منذ الحرب العالمية الثانية، وهي إشارة واضحة إلى أن هذه الحرب مقبلة على فصول مرعبة، وستضع العالم على كف عفريت. ومثل هذه اللحظات الحرجة، لا يمكن معالجتها بالتنديد والتخويف وأدوات الصراعات الماضية؛ بل تتطلب من كل الفاعلين ضبط النفس، وتجنب خطابات النبذ والتحشيد، لأن سوء الفهم أو التقدير، سيؤدي حتماً إلى كارثة، الكل فيها خاسر.