الأسد في روسيا: المنتصر هو من يفرض شروطه

الأسد في روسيا: المنتصر هو من يفرض شروطه

تحليل وآراء

السبت، ١٨ مارس ٢٠٢٣

فاطمة عواد الجبوري

من يحاول إخفاء أو تمييع حقيقة بأن الرئيس السوري بشار الأسد يفاوض من موقع القوة، كمن يحاول الاختباء خلف إصبعه. الرئيس السوري زار موسكو وعقد لقاءات مكثفة مع المسؤولين في روسيا هناك. وقد كانت إحدى مخرجات هذه اللقاءات هي التوافق على توقيع اتفاقية تعاون اقتصادي خلال الأيام المقبلة بين سوريا وموسكو تنص هذه الاتفاقية على تنفيذ 40 مشروع استثماري في مجالات الطاقة والصناعة والنقل والسكن.

وأما عن نتائج هذه الزيارة على المستوى السياسي فقد كانت مطالبة الرئيس الأسد لكل من روسيا والصين بوقف الأعمال العدائية الأمريكية ضد سورية. يدرك الأسد جيداً عملية الأفول التي تعاني منها الولايات المتحدة وعملية ظهور القوى الصاعدة على المشهد السياسي والاقتصادي والأمني على مستوى العالم ولذلك فهو يدعو إلى تشكيل تحالفات مستدامة لمواجهة العنجهية الأمريكية.

وأما على مستوى عملية التفاوض مع الجانب التركي فإن قوة الأسد تظهر بشكل جلي من خلال مطالبته بضمانات تركية تؤكد على خروج القوات التركية من الأراضي السورية بشكل فوري. ويبدو بأنّ هذه الضمانات تعتبر شرطاً لحضور لقاء مرتقب مع الجانب التركي وهو ما أكده الرئيس الأسد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تقارب وجهات النظر التركية والسورية وإمكانية عقد لقاءات سياسية بين المسؤولين في البلدين تظهر جليّة في أحداث منفصلة كالحادثة الأخيرة التي حدثت في استديوهات قناة “أورينت” التابعة للمعارضة السورية. حيث أعلنت قناة أورينت عن اعتقال الأمن التركي عاملَين في القناة في مدينة إسطنبول، على خلفية شكوى تقدم بها محلل تركي إثر مشادة كلامية بينه وبين مقدم برنامج في القناة.

ونشرت “أورينت” بياناً جاء فيه: “السلطات التركية توقف مدير “أورينت” علاء فرحات ومقدم برنامج تفاصيل أحمد ريحاوي بعد شكوى تقدم بها المحلل أوكتاي يلماز إثر (مشاركته في) الحلقة التي بثت هذه الليلة”. المشادة الكلامية كانت حول عمليات التعذيب والقتل التي تمارسها الجندرما التركية ضد مواطنين سوريين حاولوا عبور الحدود إلى الأراضي التركية بشكل غير قانوني.

في البداية لا بد من التأكيد على أنّ انتهاك حقوق الإنسان هو أمر مدان وبأن ما تقوم به قوات الجندرما التركية هو مخالف لجميع الأعراف والقوانين الدولية. وهذا بالطبع يعكس وضعية الجريمة المسلحة في الأراضي التركية إذ تتحدث التقارير عن 3984 حالة من العنف المسلح في تركيا وبلغ عدد وفيات أعمال العنف هذه أكثر من 2278 شخص وجرح أكثر من 4231. ما نحاول قوله هنا هو الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون على الحدود هي انعكاس للأوضاع الداخلية في تركيا.

ولكن إذا ما أردنا أن نحلل ما حدث بالنسبة لقناة أورينت، فيبدو بأنها رسالة واضحة للمعارضة السورية بأنّ مصيرها سيكون مشابهاً لمصير القنوات المعارضة المصرية التي ألغت السلطات التركية تصاريح عملها بعد التقارب مع الحكومة المصرية.

هي رسالة واضحة للقنوات المعارضة السورية وللإئتلاف السوري بأنهم سيكونون ضحايا التقارب مع سوريا وبأن عمليات التحريض على الشعب السوري والقيادة هناك قد تصبح من الماضي. وللتأكيد على هذه الفرضية علينا القول بأنّ الدعوى التي تقدم بها “أوكتاي يلماز” (وهو من المؤيدين للرئيس رجب طيب أردوغان) هي دعوى مدنية وعليه فلا داعي ولا إمكانية لاعتقال كل من “علاء فرحات” و”أحمد الريحاوي”، بل المفروض أن يتم إرسال استدعاء إليهما للبت في مسألة الشكوى. إذاً فإن عملية الاعتقال هي رسالة واضحة بتغير سياسات تركيا تجاه المعارضة السورية والحكومة السورية على حدٍ سواء.

نعم، من يخرج منتصراً في مثل هذه الحرب هو من يفرض شروطه على طاولة المفاوضات هذه هي قواعد اللعبة التي يجب على الجميع مراعاتها. لذلك يبدو بأن الرئيس الأسد يفرض شروطه لتحقيق المصالحة مع تركيا وهو يحاول الدخول في تحالف دائم مع كل من الصين ورورسيا تحضيراً لمرحلة الأفول الأمريكية.

كاتبة وباحثة عراقية