من أنت؟ ... بقلم الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

من أنت؟ ... بقلم الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

تحليل وآراء

السبت، ١٧ يونيو ٢٠٢٣

سؤالٌ قد يبدو للوهلة الأولى بسيطاً والإجابة عنه بشكل بديهي ولكن ليحاول كل فرد منا أن يطرحه على نفسه "من أنا؟" هل تنساق الكلمات بسهولة في فكره وينطق بها أم أنه يتلعثم في الإجابة وهو يبحث عم يجسد صورته في ذاته؟

هل يعرف حقاً من يكون ؟؟

ما الذي يحدد هوية الإنسان ؟؟

اسمه ... عائلته ومكانتها الاجتماعية

عمله الذي يمارسه .. موطنه؟

هل يحدد المكان الذي ينتمي إليه هويته؟

جرت العادة في مجتمعنا السوري عندما نلتقي بإنسان غريب أول سؤال نطرحه عليه "من أين أنت؟"

فما الذي يُحدد هوية الإنسان؟؟

وهل هوية الإنسان ثابته فجة أم أنها في حالة تغيير؟؟

كما ان لكل إنسان بصمة خاصة به يُعرف بها له هوية يتفرد بها عن الآخرين

هوية الإنسان تمثل بناء الأنا، هو شعور الإنسان بذاته إنها حصيلة التفاعل بين ذاته مع بيئته .. اسرته .. ثقافته .. مجتمعه

إنه يتشابه مع الآخرين ويتمايز عنهم بفرديته

ولكن هل للهوية وجه واحد أم أنها تعكس أوجه مختلفة تختلف ضمن السياق الذي توجد فيه ؟

فهناك الهوية الاجتماعية، المهنية، الهوية الثقافية التي ينتمي إليها الإنسان وهي عبارة عن رموز مشتركة تجمع بين مجموعة من الناس أرض لغة، موروث ثقافي، عادات تقاليد ...

مجتمعة كلها تصبغ الإنسان وتتشكل الهوية الثقافية وبالتالي يشكل الانتماء حجر أساسي في بناء هوية الإنسان ولكن الهوية ليست ثابتة إنها في حالة تطور وتغير هي عملية تحول مستمر وفق تفاعلها مع البيئة وتأقلمها مع الواقع ومتغيراته لذلك نجد من الخطأ الفادح زج هوية الإنسان ضمن إطار منشأه والبلد الذي ولد فيه وخاصة في يومنا هذا في عصر التكنولوجيا في زمن العولمة الذي تتلاشى فيه الحدود وهذا لا يعني المساس بمفهوم الانتماء وعدم تعزيزه ولكن السعي لفهم خاصية الهوية وتطورها الذي يعكس علاقة جوهرية مع الاخر وباتجاه المستقبل.

الطفل يجد نفسه بين ذراعي أمه الرجل يبحث عند ذاته في عيون معشوقته المرأة تجد ذاتها في قلب حبيبها

الهوية هي وعي الإنسان لذاته وبما يدلي رؤية الآخر له وبالتالي هذا يطرح أهمية معرفة الإنسان ذاته معرفة حقيقة وأي معنى سيضفي على وجوده في الغد القريب

من أنت..؟

ما هي صفاتك... قيمك مبادئك ؟

دوافعك ؟

هل تدرك مكان الضعف والقوة في ذاتك؟

موضوع الهوية عالم معقد بتعقد النفس الإنسانية وخفاياها، في عيادتي النفسية أطرحه كل يوم وخاصة على المتعالجين الفرنسيين من أصول عربية مثال أطرحه:

إحدى المتعالجات وقد تجاوزت العقد الخامس من عمرها سألتها من أنت؟

بدت على وجهها علامات الارتباك والتردد، فقلت لها أنت جزائرية؟

أجابتني" لا لست جزائرية، أهلي من الجزائر"

ولكنني أنا لست جزائرية، أنا ولدت في فرنسا فقلت لها إذاً أنت فرنسية؟

قالت لي لا لست فرنسية!

رغم حبي لفرنسا

فقلت لها إذاً من أنت؟

بعد تردد إجابتني أنا جميلة من أصل جزائري ولدت في فرنسا، هويتي تبلورت من التفاعل والإندماج بين هاتين الهويتين بما تحمل في خفاياها من عوامل مؤثرة سياسية وفكرية ووجودية، أنا لست جزائرية ولست فرنسية، أنا هوية جديدة انبثقت هنا في فرنسا.

جواب هذه السيدة يعكس حقيقة مفادها أن الهوية دينماميكية متحركة في تفاعل مستمر.

وتطور لا نستطيع أن نسجنها ضمن إطار مغلق الهوية شعور داخلي، وحدة انسجام، مشاعر مختلفة تحقق وجود الإنسان. هي الإدراك الداخلي لذاتنا

عالم داخلي قائم بذاته فيه المساحة الاجتماعية، المهنية، الثقافية، المساحة الذاتية حتى المكان يأخذ حيزاً هاماً في ذاته فارتباط الإنسان بالمكان ارتباط نفسي ذاكرة المكان رموز نقشت في عقله الباطن

معالمه، آثاثه رائحته ضوءه أدق التفاصيل هواءه الأحاسيس في جسده عناصر مجتمعة تشكل انتمائه لهذا المكان لأنها أخذت حيزاً هاماً في نفسه .

من أنا

دمشقية، سورية، فرنسية.. عربية .. امرأة .. عاشقة ... أم ... مناضلة ... دكتورة ... باحثة ... من أنا؟

عزيزي القارئ في سعيك لتحقيق وجودك ابحث عن ذاتك واعرف من أنت؟

nadaaljendi@hotmail.fr