أساتذة جامعيون يرفضون مشروع تمديد سن التقاعد.. ولهم مبرراتهم … راتب الأستاذ الجامعي 220 ألف ليرة وكلفة المواصلات إلى الجامعة 300 ألف
أخبار سورية
الخميس، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢
فادي بك الشريف
«التدريس لا يأتي بالقوة والإلزام» بهذه الجملة عبر عدد من أساتذة الجامعات عن رفضهم للمشروع القاضي بتعديل قانون تنظيم الجامعات، ورفع سن التقاعد لأساتذة الجامعات خمس سنوات لتصبح في المشروع الجديد (الأستاذ 75 سنة، الأستاذ المساعد 70 سنة، المدرس 65 سنة، وإضافة أعضاء الهيئة الفنية من مرتبة مشرف على الأعمال ومدير الأعمال لتصبح 65 سنة بدلاً من 60 حالياً).
المشروع أثار جدلاً كبيراً بين الأوساط التعليمية لجهة إقدام الوزارة لتغطية النقص الحاصل بأعضاء الهيئة التدريسية إلى إلزام الأساتذة وحجزهم لسنوات إضافية، ما ينعكس سلباً على واقعهم المعيشي وسط قلة المحفزات المقدمة للأساتذة مقارنة مع الإغراءات التي ينالونها من الجامعات الخاصة.
غير منطقي
كما لاقى مشروع التمديد استغراب شريحة كبيرة من الطلاب ممن طالبوا بضرورة فتح المجال للكوادر الشابة والحصول على فرصتهم، وتوفير الشواغر والملاكات لاستقطابهم ولاسيما في التخصصات الطبية النادرة والمعلوماتية والجوانب التطبيقية، ناهيك عن خلق المرونة في طرح العديد من المسابقات لسد النقص الحاصل بالمدرسين، وخاصة أنه من غير المنطق دخول أستاذ بعمر يتجاوز الـ70 عاماً إلى محاضرة تضم عدداً كبيراً من الطلاب، وبالإمكان الاستفادة من خبرتهم الكبيرة بقضايا غير تدريسية وترتبط بالناحية العملية والمتعلقة بالإشراف على الرسائل الخاصة بطلبة الماجستير والدكتوراه.
وفيما رأى البعض من الأساتذة أن هناك ضرورة وأهمية لهذا المشروع في الاعتماد على عدد من المدرسين الخبرة ونظراً للحاجة الماسة بعد النقص الحاصل في أعضاء الهيئة التدريسية والحصول على تعويضات التفرغ بالنسبة للمدرسين في الكليات النظرية بالجامعات، أكد أساتذة آخرون أن هناك تأخراً بات واضحاً في إقرار تحسين رواتب وأجور المدرسين والأساتذة في الجامعات الحكومية
لم يؤخذ رأي الأساتذة!
وأكد أحد عمداء الكليات الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ«الوطن» أنه من غير المنطقي بمكان التوجه لإلزام الأساتذة بمشروع التمديد، تحت مبررات أن اهتمام عدد من الأساتذة أصبح للتعليم الخاص على حساب الحكومي، لكن نعتقد أن التعليم لا يأتي بالفرض والإلزام، وخاصة أنه لم يؤخذ رأي شريحة الأساتذة ولا حتى القانونيين في كليات الحقوق والمختصين قبل إعداد مشروع القانون.
وحول مشروع فتح سقف الرواتب الذي يتم الحديث عنه، أكد العميد أنه لا يعالج المشكلة الراهنة، وخاصة أن الرواتب محدودة ولا تتناسب مع الظروف الراهنة وارتفاع الأسعار والتكاليف الكبيرة، مضيفاً: بالإمكان جعل الموضوع بشكل اختياري غير ملزم وعلى أقل تقدير للشريحة الثانية (الأستاذ) بعمر الـ65 عاماً، بجعل 5 سنوات اختيارية، مع إمكانية طرح الإلزام بالنسبة لمدرسين ممن يصل لعمر الـ60 لـ 65 عاماً، مع جعل الأمر اختيارياً بالنسبة لشريحة المدرسين بعد الـ65 علماً (أستاذ مساعد- أستاذ).
تعديل قانون التفرغ
وقال: إن مشروع التمديد والإلزام وإن سار في هذا الاتجاه، يجب أن يقابله إحداث تعديل على قانون التفرغ، والسؤال: ما المشكلة في سعي الأستاذ إلى تحسين مستواه المعيشي في إحدى الجامعات الخاصة بما لا يتعارض مع واجباته التدريسية في الجامعات الحكومية؟
وأضاف: في حال تم إلزام الأساتذة بالتمديد، فإن الالتزام أصبح من الأستاذ شكلياً (أي التدريس بالإلزام) وهذا الأمر له انعكاس سلبي.
وفي تصريح لـ«الوطن» قال الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة دمشق وعضو مجلس الشعب الدكتور محمد خير العكام: يبدو أن وزارة التعليم العالي تشعر بأن كوادرها تتسرب، بمعنى أن عدد الكوادر ممن يدخل إلى سلك التدريس أقل من عدد الكوادر التي تتقاعد، مضيفاً إن هناك حاجة للتمسك بمن بقي ولو عن طريق التمديد.
أكثر عمقاً
وحسب العكام، إذا كانت حاجة الوطن تقتضي التمديد للأساتذة فأنا مع التمديد، ولكن على الوزارة أن تفكر بشكل أكثر عمقاً لترى لماذا يتسرب الأساتذة، فيجدون عدم اهتمام بهذا الكادر ودوره المهم في صناعة العلم والتعليم العالي، في ظل الانخفاض المخيف لمستوى الأجور، وجمود التعويضات المتعلقة بالأساتذة كتعويضات التأليف وغيرها بحيث أصبحت التعويضات لا قيمة لها.
وتساءل العكام: هل يعقل أن يبلغ تعويض تقييم رسالة دكتوراه 9 آلاف ليرة فقط؟، مضيفاً: إن فتح السقوف مطلب حق، علماً أن عدداً من أعضاء الهيئة التدريسية لا يترفعون عن قصد كي يحالوا إلى التقاعد والتوجه إلى إحدى الجامعات الخاصة، بسبب الانخفاض الكبير بالتعويضات التي يقبضها الأساتذة.
وأشار العكام إلى وجود عدة مبررات تدفع الأستاذ إلى التسرب إلى القطاع الخاص وحتى إلى خارج البلاد، لذا لا بد من الاهتمام أكثر بوضع الأستاذ والتفكير جيداً وبعمق بالأسباب التي أدت إلى تسرب الأساتذة والعمل على حلها تباعاً.
تراكم خبرة
أما الأستاذة والخبيرة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب تساءلت: لماذا لا تعدل المادة 111 بإضافة بند يتعلق بأن كل عضو هيئة تدريسية بلغ سن التقاعد (باختلاف درجته العلمية) يجوز التمديد له بشرط تفرغه لإعداد البحوث ونشرها في مجلات معتمدة، ما يحافظ على دخل عضو الهيئة التدريسية والأهم من ذلك يُسهم في رفع تصنيف الجامعات السورية.
وأضافت: من المعهود أن عضو الهيئة التدريسية تتراكم خبرته مع مرور الوقت بشرط استمراره في تطوير مهاراته العلمية والبحثية، وللأسف من سيشملهم التمديد قسم منهم لم ينشر أبحاثاً تخوله الترفع إلى مرتبة علمية أعلى ولا يتقن مهارات العصر في اللغة والكومبيوتر كشروط للترفع، كما أن قسماً آخر لا يرغب بالتمديد وبهذا سينعكس على جودة أدائه في حال إلزامه البقاء في الجامعة.
وتابعت: عادة في الجامعات التي تسعى إلى تحسين جودة التعليم فيها ورفع تصنيفها تتخلى عن عضو الهيئة التدريسية الذي لا يمارس نشاطاً بحثياً، واقترحت سيروب تعديل المادة 68 من قانون تنظيم الجامعات بحيث تضاف فقرة «يعين أعضاء الهيئة الفنية الحاصلون على درجة الدكتوراه، والقائمون على رأس عملهم في الجامعات والمؤسسات الحكومية الحاصلون على درجة الدكتوراه كأعضاء هيئة تدريسية من دون إعلان».
تساؤلات
وأوضحت أن أعضاء الهيئة الفنية يزاولون فعلياً مهام عضو الهيئة التدريسية نيابة عن أعضاء الهيئة التدريسية الكبار في السن، مقترحة الإعلان سنوياً عن مسابقة لتعيين أعضاء هيئة تدريسية، حيث تشير بيانات التعليم العالي أن عدد أعضاء الهيئة التدريسية انخفض بنسبة 20 بالمئة بين عامي 2011 و2020، ورغم هذا النقص الكبير، غير أنه لم يعلن إلا عن مسابقة واحدة فقط لتعيين أعضاء الهيئة التدريسية خلال السنوات العشر التي شابها الكثير من الأخطاء.
وأكدت سيروب أن الجامعات الحكومية في واقعها الراهن تلعب دور المنفّر بالنسبة لأعضاء الهيئة التدريسية الحاليين، فضلاً عن عدم قدرتها على إقناع شريحة الشباب بالتعيين فيها، علما أن الإحصاءات تشير إلى أن الانخفاض الأكبر لدى فئة المدرّسين قارب ربع الأعداد، حيث انخفض عدد المدرسين بنسبة 23.4 بالمئة بين عامي 2011 و2020. والأرقام الأكبر لدى شريحة المعيدين التي بلغ فيها نسبة الانخفاض 26.84 بالمئة.
وختمت بالقول: إن تعديل المادة 111 من قانون تنظيم الجامعات بالشكل الذي يتم الحديث عنه، يشكل عامل خطورة على جودة التعليم في الجامعة أكثر من خطورة نقص المدرسين، وتساءلت: كيف يستمر السماح بالإعارة للجامعات الخاصة رغم النقص الكبير في أعداد الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية؟ وهل تسعى وزارة التعليم العالي إلى تأمين كوادر للجامعات الخاصة على حساب جودة التعليم في الجامعات الحكومية؟
550 ألف ليرة سنويا!
من جانبه قال الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتور عصام التكروري: أنا من مؤيدي مشروع التمديد، شريطة أن تتم معالجة الأوضاع المادية للأساتذة.
وأكد أن الأستاذ في كلية الحقوق لا يتقاضى أجراً على الساعات التي تُفرض عليه فوق نصابه فرضاً، وهذه الساعات تتراوح ما بين 6 إلى 12 ساعة أسبوعياً، كما يُجبر الأستاذ الجامعي جبراً على التدريس مجاناً بماجستير التأهيل والتخصص ولا يتقاضى قرشاً واحداً من عائدات الرسوم التي يدفعها الطلبة، كما يجبر على تصحيح أول ألف ورقة من الأوراق الامتحانية مجاناً، ويتقاضى مبلغاً وقدره 45 ألف ل.س بعد سنتين أو ثلاث سنوات من إشرافه على رسالة الماجستير (بمعدل 1500 ل. س شهرياً) و90 ألف ليرة بعد ثلاث إلى خمس سنوات من إشرافه على رسالة الدكتوراه بمعدل (1700 ل.س شهرياً).
ولفت التكروري إلى أن الأستاذ الجامعي يتقاضى سنويا مبلغاً لا يتجاوز 550 ألف ل. س عن تدريس سنة كاملة في التعليم المفتوح (لمن استطاع إليه سبيلاً)، ومعدل راتب الأستاذ الجامعي الشهري هو 220 ألف ليرة سورية بينما تصل كلفة وصوله إلى مكان التدريس إلى 300 ألف ليرة سورية إذا استخدم سيارته ببنزين مدعوم.
كما أن نسبة الاقتطاعات من رواتب الدكاترة العاملين في الجامعات الخاصة) تصل إلى 31 بالمئة من الراتب الشهري أي 31 ألف ليرة عن كل 100 ألف ل.س علماً أنه لا يوجد تاجر على وجه البسيطة يدفع هذه النسبة من الضرائب إلا الأستاذ الجامعي السوري صاحب الراتب الأسطوري البالغ 50 دولاراً شهري!
مؤتمر
وأكد التكروري الحاجة إلى مؤتمر يناقش أوضاع التعليم العالي في سورية ليس فقط فيما يتعلق بوضع الأستاذ الجامعي بل في نوعية التعليم الذي نقدمه لطلابنا، مضيفاً: فمثلاً هناك فائض في حملة الدكتوراه بالحقوق وجميعهم ينتظر فرصة للعمل، هذا الفائض بالمجمل لا يتقن أي لغة أجنبية على اعتبار أن اللغة وسيلة معرفية لتطوير البحث العلمي.
وكما علمت «الوطن» من مصادر في مجلس الشعب أن مشروع القانون سيناقش تحت القبة خلال الأسبوع القادم، بعد أن تمت مناقشته في لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي في المجلس.
وبينت المصادر أنه بالتزامن مع مشروع القانون سيتم العمل على تحسين رواتب أساتذة الجامعات، وفتح سقف الرواتب بنسب جيدة، من الممكن أن تصل إلى 3 أضعاف.