«أوروبا» تختبر وحدتها: نفط روسيا لا يَلزمنا
أخبار عربية ودولية
الجمعة، ٦ مايو ٢٠٢٢
مع دخول الحرب في أوكرانيا أسبوعها الثاني عشر، أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لفرض حزمة عقوبات سادسة على موسكو تتضمّن، بشكل رئيس، حظراً تدريجيّاً على واردات النفط الروسي، بحيث يصبح ممكناً الاستغناء عنها بالكامل بحلول نهاية العام الجاري. ومن المرجّح أن هذه الخطوة التي تدفع واشنطن في اتجاهها، ستكشف حدود قدرة بروكسل على المحافظة على وحدة الصف بين دولها الأعضاء، خصوصاً تجاه استعمال سلاح الحصار الاقتصادي على روسيا، إذ لا تتماثل اعتمادية كل منها على جارها، عملاق إنتاج الطاقة شرق القارة
أدخل الاتحاد الأوروبي نفسه في لعبة خطيرة بعدما قرّرت بروكسل الشروع في التشاور حول فرض حظر تدريجي على واردات النفط الروسي. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن خطط لحزمة جديدة (سادسة) من العقوبات الاقتصادية على موسكو، ستشمل التوقُّف عن شراء النفط خلال الأشهر القليلة المقبلة - مع احتمال منْح هنغاريا وسلوفاكيا وقتاً إضافياً للالتزام بالحزمة يمتدّ حتى نهاية العام المقبل، خصوصاً أن هذين البلدين يعتمدان بشكل كامل على الواردات الروسية، وليست لديهما أيّ موانئ بحريّة.
مع هذا، لم يُشِر الإعلان إلى الغاز الروسي على الإطلاق، وهي مسألة ازدادت إلحاحاً بعد قرار موسكو، الأسبوع الماضي، قطع واردات الغاز الطبيعي عن بولندا وبلغاريا، مهدّدة دولاً أخرى تتمنّع عن الدفع بالروبل بالمصير نفسه، وهو ما يشير إلى صعوبات لوجستيّة هائلة تجعل من المقاطعة الشاملة خياراً غير ممكن، في ظلّ الشروط الراهنة. وتشكّل الواردات من روسيا ما لا يقلّ عن ربع كل ما تستورده أوروبا من النفط، والذي ما زال يشكّل عنصراً أساسياً في عجلة الاقتصاد الأوروبي، كما أن العديد من الدول - مثل هنغاريا - يحصل عليه بأسعار تفضيلية. على أن الديبلوماسيين الأوروبيين سيواصلون مناقشة التفاصيل اليوم، لاعتماد الحزمة في حال موافقة جميع الدول الأعضاء. ومن شأن هذه الحزمة السادسة، حال إقرارها، أن تزيل أكبر مصرف في روسيا، «سبيربنك»، ومصرفَين آخرَين من نظام «سويفت» للمعاملات الدولية، وستحظر ثلاث محطات بثّ روسية مملوكة للدولة، من استخدام موجات البثّ الخاصة بالاتحاد الأوروبي، إلى جانب فرْض عقوبات على عدد من كبار الضباط العسكريين الروس، تقول بروكسل إنهم متّهمون بالمشاركة في «جرائم حرب» في أوكرانيا.
خطوة حظر النفط تُعدّ تصعيداً نوعيّاً من الجانب الأوروبي تجاه روسيا. ومن المعلوم، ضمناً، أن المفوضية لم تكن لتُقدِم على التلويح بهذه الورقة الحسّاسة من دون دعم ألمانيا - وإلى حدٍّ ما إيطاليا - اللتين عارضتا، حتى الآن، إدراج حظر واردات النفط الروسي في حزم العقوبات السابقة. ويبدو أن المستشار الألماني، أولاف شولتز، يخضع لضغوط شديدة تدفعه بشكل متزايد إلى لعب دور صقوري في المواجهة مع روسيا. ويتمتّع الأميركيون، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بهيمنة على التوجهات الخارجية للدولة الألمانية، وهم يريدون من الأوروبيين دفع فاتورة الحرب الاقتصادية. وبغير ذلك، فإن المستشار شولتز يرأس حكومة ائتلافية تتمتّع بغالبية ضئيلة في البرلمان، ولديه شركاء متطرّفون في توجّهاتهم ضدّ روسيا (لا سيما «حزب الخضر» الذي تقوده وزيرة الخارجية الألمانية)، ممّا يعني أن عدم الانخراط في الحصار الاقتصادي على روسيا، قد يعني ببساطة فقدان حكومته لثقة البرلمان، وتالياً خسارة المنصب التنفيذي الأهم في هيكليّة السلطة في البلاد.
ونجح الاتحاد الأوروبي، عبر مزيج من سياسات الترهيب والترغيب، في المحافظة على وحدته حول خمس حزم سابقة من العقوبات فُرضت، حتى الآن، على روسيا، منذ بدء الحرب في أوكرانيا. لكن موسكو بدت أكثر تصلّباً مع كل حزمة جديدة، وهي أوقفت بالفعل إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا، بعدما امتنعتا عن التسديد بالروبل مقابل مشترياتهما. ويجزم خبراء في الشأن الأوروبي، بأن ورقة النفط الأخيرة هذه ستختبر حدود قدرة بروكسل على إدارة اختلاف وجهات النظر بين الدول الأعضاء، والتوصّل إلى توافقات جماعية ومساحات تلاقٍ في آراء شديدة التباين حول كيفيّة التعامل مع الانعكاسات السلبية المترتبة على الالتزام بالحظر على روسيا. فصلْف المفوضية المبالغ فيه، لا يبدو مستنداً إلى حسابات دقيقة، لا في شأن المكاسب التي ستتحقّق من وراء لعب ورقة مكلفة كهذه، ولا في شأن الصعوبات اللوجستية التي ستنعكس تضخّماً لا يمكن التنبؤ بسقوفه في أسعار المحروقات والمنتجات والخدمات.
أما الروس الذين يصدّرون إلى أوروبا حوالى نصف إنتاجهم النفطي (47%) فقد يكونون أقلّ تأثُّراً بهذه الحزمة، مقارنة بجيرانهم الأوروبيين، إذ تمكّنت موسكو من إيجاد أسواق بديلة، فيما سيضطر الأوروبيون إلى التفاوض مع موّردين جدداً قد لا يمتلكون القدرة أو الرغبة لإمدادهم بحجم مضاعف منتظم من الإنتاج، كما يبدو محتمّاً أن قيمة فاتورة المشتريات ستزيد بشكل ملموس، وستأكل من أرباح الشركات ودخول المواطنين على السواء. وفي بريطانيا، مثلاً، التي تُعدّ واحدة من أقلّ دول أوروبا اعتماداً على النفط الروسي، فإن الارتفاعات الحادّة في أسعار مشتقّات الوقود والطاقة، سيتسبّب في دفع عدّة ملايين إلى الاختيار بين تناول وجبة عشاء أو الحصول على التدفئة خلال الليل البارد. وفي المقابل، فإن روسيا، بصفتها منتجاً رئيساً للطاقة، حمت مواطنيها بشكل شبه كلي من تقلّبات الأسعار ومشاكل الإمداد في السوق العالمية، وحقّقت مداخيل أعلى بشكل عام بسبب الارتفاعات القياسية في الأسعار.
وكانت روسيا قد رفعت بشكل ملموس من حجم صادراتها النفطية إلى جارتها الصين. وارتفعت النسبة منذ آذار الماضي إلى حوالى نصف مجمل صادرات روسيا من النفط، بعدما بقيت بحدود الثلث تقريباً طوال العام الماضي (أي 70 مليون طن من أصل 230). وقد تراجعت مشتريات بكين من منتجي النفط في الشرق الأوسط الذين غطّوا خسائرهم تلك بزيادة التصدير إلى أوروبا. وعلى رغم أن البنية التحتية الحالية للتجارة النفطية مع الجمهورية الشعبية تكفي مرحلياً لتعويض روسيا عن خسارة أسواقها الأوروبية - خط أنابيب ESPO إلى الصين الذي افتتح في عام 2012، قادر على نقل 1.6 مليون برميل يومياً، أي أكثر من ضعف طاقة خطوط أنابيب التصدير الروسية إلى أوروبا -، فإن البلدَين يعملان على تعظيم حجم طاقة مسارات تدفق النفط والغاز بينهما، وهناك مجال واعد جداً لتقليل اعتماد قطاعات من الصناعات الصينية على الفحم الذي ما زال يشكل، إلى الآن، 70% من مجمل حجم سوق الطاقة الصناعية في البلاد، والتحوّل نحو حلول أقلّ تأثيراً في البيئة. كما نجح البلدان في تأسيس آلية للتجارة البينية بعملاتهما المحلية من دون الحاجة إلى استعمال الدولار الأميركي، أو المرور بنظام «سويفت» للتحويلات الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، الأمر الذي يشير إلى عقْم إجراءات الاتحاد الأوروبي النفطية المتوقّعة، ما لم يكن في الإمكان إقناع الصين بالانضمام إلى الحرب الاقتصادية الأميركية على روسيا.