أور سومر
افتتاحية الأزمنة
الجمعة، ١١ يونيو ٢٠١٠
كل الطرق التي سار عليها شعب سومر منتشراً بكل الاتجاهات لتعمر الأرض به بنياناً وروحاً؛ تقودك إليه الآن من خلال بحثنا عن إنجازات هذه الحضارة التي تهيأت من خلال مجموعات بشرية تجمعت في جنوب شرق الهلال الخصيب ( بلاد سومر ) بدءاً من القرن الرابع قبل الميلاد حيث أسست المدن عرف منها ( أداب . إيريدو – إيسن – كيش – لا كاش – لارسا – نيبور – أورك – أور )، وما يهمنا لهذا الاستعراض هي (أور) لذلك أبدأ بها بكونها أعظم مدينة نسج بها النظام المقدس الكامل، بعد أن امتلكت مقوماته وجمعته مقدمة إياه إلى البشرية جمعاء، كأسس ارتكز إليها مثلث الأديان الثلاثة التي وحدت الآلهة من خلال إدراكها لمكونها الأعظم الإله الواحد، ليكون مركزها ، تدور حوله ضمن صور اختلافاتها حيث تأملته أور حينما وحدته، وبعد أن دانت لها العواصم التي اعترفت بها كعاصمة، ومدينة وشعب حي من محيطها المتسع؛ الذي وصلته وربطته إليها من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط، تدل سجلاتها أن الأكاديون احتلوها ومن ثم البابليون والعيلاميون والكلدانيون، دمرها الفرس في نهاية الأمر وأحالوها إلى سراب ثانوي، عرفت الكتابة المسمارية التي وثقت معاملاتها التجارية من خلال الرقم الطينية التي دلت عليها وعلى كنوزها وما مر بها، لقد كان أول اختراع للعجلة فيها، وأول تشريع قانوني سبق شريعة حمورابي ولد منها، وأول من استخدم الرايات شعبها وأيضاً استخدم فيها الوقود الزيتي، و بها ولد أبرام المتحول في مسيره إلى إبراهيم، حملت أور أسماء متعددة مثل مدينة القمر وقمرينة وذي قار قريبة من تل المقير كثر استعمال القار في أبنيتها، وهي مركز قداسة السومريين .
إنها أور عراقة الزمان الذي لا ينسى، وثراء المكان الذي لا يمحى بكون الشعوب امتلكته، هي مهد النبوءات بدأت من نقطة استمرت آلاف الأعوام واحتاج تقلصها إلى آلاف الأعوام، أيضاً لنعود إليها لنجدها خالدة آبدة في الذاكرة الإنسانية، هي معطف الزمن السرمدي شكلت بيئتها كامل أشكال الحياة وصنوف امتلاء الفكر الإنساني: الشعر- والكفر- الطاغوت- والعبادة الطينية- وقصائد الحب- ومراسم دفن الأحياء- وظهور الحياء- وطقوس الموت السومري- ودفن حاشية الملوك من أجل إيناسها في ظلمات العالم الآخر- وقراءة النجوم وأنوارها- وأرقام العدد العشري والستيني والدمج بينهما- وبيت إبراهيم النبي-، حين تمت لها السيطرة واكتملت رؤاها لاحظت أن لكل مدينة إله تعتنقه حتى أور ذاتها كانت تعبد إله القمر ( نانا ) والتي تحولت فيما بعد إلى أشتار حيث عرفت بعشتار الأنثى في تاريخ أور والقمر في ذلك الزمان أنثى، وحينما يكتمل ( بدراً ) كانوا يمتنعون عن السفر وإشعال النار وطهو الطعام، بكونهم يعتبرون يوم اكتماله يوم حيض الأنثى ليستريحوا، معتقدين بديانتهم السومرية مطلقين على يوم البدر اسم ( سباتو ) أي يوم الراحة، أنشأت المعابد ( الزقورات ) وهي على شكل أبراج أو هياكل عظيمة كان يصعد إليها بمشقة، حيث يتم تعبد الإله نانا على قمتها ( القمم ) أي أماكن تقديم العبادات لها، وللضرورة أشير إلى موقعها الجغرافي حيث كانت تقع جنوب العراق شمال البصرة، وتبعد عن الناصرية بحدود 18كم شرق الفرات بتسعة كيلو مترات، أنشأها السومريون وأنجزوا فيها أسس الزراعة، فعرفت السدود ونظم الرعي وأوجدت القوانين بعد أن استفادت من شريعة حمورابي ومرت بمراحل متعددة، بنت المعابد والمقابر وشقت الطرق التجارية لينهل سكانها فيما بعد المعارف مقدمين إياها إلى محيطهم القريب والبعيد، ومنهم زرادشت الفارسي الذي أوجد مئة اسم واسم ( 101) للإله الأعظم، وكنفوشيوس الصيني موجد الوصايا العشر من خلال مؤسس ولادتها الدينية الحقيقية أبرام السومري ابن تارح؛ الذي درس النظم الدينية في أوج سلطتها، وكتب صحفه التي وحدت الآلهة موجداً بها الدين الحنيف ( دين التوحيد ) والاستقامة، ومعه سجل في صحفه الخاصة وتعاليمه نظرية الفكرة الواحدة القادمة لهذا الكون من إله واحد، ومن خلاله يرسم لنا مساراً واحداً، لنعود ونبحث دائماً وأبداً عن الفكرة الواحدة التي تسكن أعماقنا وبها يسكن الإله الواحد تلك الصحف التي اقترنت فيما بعد بصحف موسى، ليقال عنها صحف إبراهيم وموسى في الكتاب الكريم، والتي يبحث عنها اليهود حتى يومنا هذا وهم الذين اعتبروا إبراهيم أباهم الوحيد يخصهم وحدهم وهو السومري الأوري البعيد عنهم كل البعد .
لماذا اقترن موسى بإبراهيم السومري، ولماذا عيسى القادم من آل عمران المنتسب عبر السلالات ليعقوب أحد أبناء إبراهيم، ولماذا محمد ابن عبد المطلب القادم من إسماعيل ابن إبراهيم سومريون، ما معنى هذا المثلث في النسب والانتساب إلى ذلك السومري الأوري؟ موجد أبرام أو أبرهام ( إبراهيم ) ومعناه الأب العظيم ( كريم النسب ) أو أبو شعوب كثيرة، والذي قادته أحلامه إلى رؤى تأسيس وحدانية الملة والدين، والمنتبه إلى سر الخليقة الذي يكمن به التسامح والحوار الحضاري، ومؤسس علم التأمل في المحيط الكوني الممتلئ بالكواكب والأقمار والنجوم، نبذ الإرهاب والعنف ودعا إلى إلغاء نظام القرابين التي كانت تقدم الإنسان على مذابح الآلهة وحوّلها إلى عملية ( ختان )، حيث اعتبر أن هذه القطعة الصغيرة التي تُزال من العضو الذكري الإنساني بمثابة القربان، وأيضاً ضم الأنثى في رؤاه إلى الرجل حيث اعتبرها ضلعاً منه ( أي خلقت من ضلعه الأيمن ) بعد أن كانت تقدم عذريتها كقربان للآلهة، وهو ينتمي إلى قبائل البدو الوافدة إلى بلاد الرافدين بين سنة 2000 و1700ق.م ينتمي إلى قبائل عابر وعاش، والذي نقول عنه صاحب المثلث الديني موحد الآلهة والمعترف بالإله الواحد، لماذا نعتبره أبا الديانات الثلاث ؟ لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا إسلامياً إنما كان موحداً، بعد التأمل والرؤية سلم للإله الواحد أمره وانتهج دين الاستقامة الحنيف - والحنيف تعني الاستقامة أي التوجه للكلي الجامع السرمدي الأزلي- فهل هو أب لكل الديانات، أم أنه أنجب لكل ديانة إبراهيم خاصاً بها اعتبرته أباها من خلال تأسيسه في دمشق الشام وقدس الأقداس ومصر الفراعنة ومكة المكرمة، وتشابه القصص في الجوهر واختلافها في المظهر .
إذاً ( أور ) سومر والسومريون ماذا تعني لنا كمدينة زاحفة لتحتل عقول وقلوب البشرية جمعاء، مقسمة إياها من دينها الواحد إلى ديانات، والكل غايته أن يقول هو صاحب الحق، الصح له والخطأ لغيره، كيف هذا يحدث في زمن تطور العقل وانتهاء النبوات وحلول العلماء والعقلاء. نقاش ثقافي أنشد منه إلغاء صراع الحضارات والديانات والثقافات لأحل محله حوار كل ذلك من شخصية إبرام السومري إلى أبرام اليهودي و أبراهم المسيحي وإبراهيم الإسلامي .
أور صورة السماء الأولى المتجسدة حقيقة على الأرض، منذ 6000 عام، أوجدت ذاتها من الذات العلية المحيطة الكونية، تنتشر في الأرض أشكالاً تنجب أمماً، وتثير الدهشة من خلال توافقها مع إحداثيات ما جرى في تلك الحقبة السومرية، بقصصها وملاحمها مع مسيرة الدورة الحياتية التي مرت بالكنعانية والتوراتية، وما ذكر حتى في القرآن الكريم من قصص الأولين المذكورة في أنباء الغيب، والإيحاء ومعنى هذا العمر التاريخي والاستعراض الذي مرت به والتعرف إليها، نجد أول من استقر فيها أقوام العبيديين سنة 4000 ق.م على شكل قبائل أنشؤوا فيها القرى، وغدت أور من أغنى مدن سومر في القرن 29 ق.م، وظهرت أول سلالة حاكمة في القرن 27 ق.م حيث ارتسمت معالم أنشئت على يد ميسا نيبادا، وحوالي 2100ق.م تعتلي عرشها السلالة الحاكمة الثالثة لمؤسسها أورنامو، ومعه انتعشت وتكونت إمبراطورية سومر وأكاد جمعت الأنظمة في عهده والقوانين القادمة من مجموعة قوانين حمورابي، وأثناء قرن حكمه أي 21ق.م قام أورنامو وابنه شولجي ببناء زقورة نانا بالإضافة إلى المعابد العظيمة، دمر العيلاميون أور حاولي سنة 2000ق.م وأسر ملكها وضمت لتغدو جزءاً من مملكة آسين أولاً، ثم بعد ذلك مملكة لارسا التي أعادت للمعابد أهميتها، ثم ضُمّت أور إلى بابل، وتعود مكانتها الدينية التي شهدت ازدهاراً في القرن السادس قبل الميلاد، يعيد نبوخذ نصر بناء مدينة أور ويهتم الملك نابونيدس بنظام بناء الزقورات ويرفعها إلى سبع منصات، تصحُّر أور بدأ من القرن الرابع الميلادي وتتحول رويداً رويداً إلى يابسة نتيجة لتحول نهر الفرات عنها، فغدت فقيرة زراعياً ليتناقص من خلال الهجرة التي أضعفتها .
إن السرد الزمني لتطور أور ومرورها بحالات الانتصار والهزيمة والغنى والفقر، وامتلاكها لأصول أقدم الحضارات المعروفة التي اجتمعت بها على شكل نقطة بدأ منها كل شيء، تدعونا للتوقف عند حالة ما قبل السومريين وهم ( الأنوناكيين )، هؤلاء الذين وصولوا قمة التطور منحوا السومريين كامل العلوم، وإنني لأعتقد أن الإنسان الطوطم النصف بشري والنصف حجري والمجنح والزاحف، والتي وجدت على شكل منحوتات وآثار جداريه قديمة لم تظهر في الخيال، بل إنها كانت حقيقة قديمة ظهرت من تجارب جينية علمية لم تُقبل في تلك المجتمعات فأنهتها وتركتها كآثار على شكل منحوتات، طبعاً هي أسرار تلك الأمم الموغلة في القدم والتي تفهمتها سومر وأوغاريت الفينيقية والأهرامات الفرعونية والكثير الكثير لدى الأنكا والماتادور، وجلها غايته البحث في الحالة الدينية التي عرجنا عليها ونحن نسير في بحثنا عنها لنستفيض من فكرها المؤسس لتاريخ الديانات، وكيف أنها حولت الفكر التأملي والوثني والآلهة المتعددة إلى وحدة واحد له التوحيد، شهدتها منطقة سومر منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد التي سيطرت على هذه الديانات التي اختلفت عن بعضها، ولكنها في مضمونها جوهر بصورها، ترعرعت بحكم الإرث الحضاري القديم وموروث الأقوام المحيطة بها، وهي بالتأكيد نتاج لتلاقح الشعوب المختلفة وغايتها جمعها ضمن أطر واحدة تعيش في تكوينات سياسية واجتماعية واقتصادية، قادمة في جمعها من خلال إبرام الأب الروحي المؤسس لولادة مثلث الروحانيات اليهودية والمسيحية والإسلامية حيث كلّ له عبادته وعلى طريقته.
إن أور سومر وكامل المدن السومرية رسمت خطاً مضيئاً من المعرفة الإنسانية الراقية، وقدمت إشراقة بدء الوعي العقلي، وأسست للإدراك المعرفي مسارات انطلقت باتجاه نشرها والاستزادة منها، فبها ولدت أوائل أناشيد التودد إلى الإله، كما أنجزت الأسطورة في ملحمة جلجامش الباحث عن سر الحياة وخلودها، حيث يعلمنا أن الأثر هو البقاء والجسد فناء، فهل يمكن للتاريخ أن يتناساها؟ وهي حبر القلم وإبرة الخيط التي نسجت وكتبت وحفرت في ذاكرة العقل الإنساني نغم القيثارة السومرية التي تأخذ بنا إلى ما وراء الطبيعة، نحلم بأننا قلب كوكب بعيد لا منظور يريد أن يأخذنا إليه بعد أن أحضر لنا سومر التي ولدت أور حيث بها انعطف الزمن .
إن نشأة أبرام في أور الكلدانية المدينة العظيمة في ذلك العالم القديم، وقيام الحضارة الزاهرة في عصره وتبادل التجارة الواسعة مع محيطها، ومكتبتها العظيمة التي جمعت من علوم الصين والهند والأحلام والخيال والتصور والإبداع الذي زحف باتجاهها؛ أدى به ذلك إلى التأمل والتفكر في عبادة إله القمر وإله الشمس وإله الليل والنهار، والبحث في كل ذلك أدى به إلى فهم نظرية الظهور والأفول والأكبر والأصغر والوجود والموجود وعلاقة كل ذلك بالواجد اللامرئي، وكان من كل ذلك إيمانه بضرورة وجود دين توحيدي ينظم العلاقة ما بين الإنسان والإنسان والأرض والسماء والجماد والنبات والحيوان، كانت ديانة أور مغلقة مثل كامل ديانات بلاد وادي الرافدين، ودليلنا في ذلك هو عدم حصول أي تغيير في نظم عبادتها الضيقة وتشابهها طيلة وجودها، فلم تعرف التوحيد ولم تكن لتؤمن بالجنة والنار والعالم الآخر، وتشابهت في تعقيداتها مع الحالة الفرعونية التي آمنت بالحياة الجسدية بعد الموت، وما أريد أن أصل إليه أن الخيال الهندي أوجد نصوص ( الفيدا ) التي امتلكت الكتب، وأعطاها قداسة التعاليم وعنونها باسم ( الشيترا )، وأنجز بها المزامير الدينية والتي تشبه إلى حد كبير المزامير الإيبلية ( إيبلا حاران ) الواقعة شمال سورية حيث وجدت بها المزامير قبل 1000عام تقريباً من ظهور المزامير الداوُدية والتوراتية، وليس ببعيد أن تكون أخذت عنها بعد نزوحها من الهند إلى أور إلى إيبلا السورية إلى مصر إلى موسى، فلم يكن إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولا مسلماً إنما حنيفاً أي مستقيماً، وحينما تأمل امتلك السلام والأمان فأسلم وجه لإرادة المحيط الأزلي السرمدي الواحد الوحيد، كمثل المشكاة الذي لا مثيل له بكونه أدرك أنه القوة المطلقة المهيمنة والمرفرفة على وجه السماء والماء والوجود، لماذا حدث كل هذا في أور هل لأنها وحدت الشرق فيها أم لأن الشرق أتى إليها؟ .
في أور ولدت حقيقة التوحيد أي توحيد الأصنام وإنهائها من الشكل المرئي إلى الصمد اللامرئي، حيث كبر العقل وتطور الفهم فأنجز بداية الحضور الديني حصراً، أي علاقة الواجد بالموجود، وكان من آثارها ظهور العالم الروحي وتجلياته وطلاسم تعاليمه العلمية، التي حملها الشرق في جملته دون تحليل لمفهومه العلمي الذي أبقاه حاملاً حقيقياً للروحانيات وحصرها بين مفهوم البداية والنهاية للعمر الزمني لكل شيء، والندرة حملت آمال الحقيقة وأحلامها وسحبتها بعد كل ذلك زمنياً، أي في زمن المرور والعبور إلى الشمال الفارغ من كل شيء، حللتها فأخذت منها علمها وتركت للشرق روحها التي منعت عنها علومها وتفكرها فيما سيأتي من تبادل المعرفة مع الإله الواحد، الذي توحد في أور ودخل العقل الباطن والظاهر، تدغدغها تقاتل من أجلها بسيوف من زبد وغثاء ورياح، فما معنى أور الحقيقة والخيال، ولماذا نتوقف دائماً وأبداً حينما نطل على التاريخ؟ نجد أن الصراع ينشأ حيث تنشأ الاختلافات بينه وبين الدين، فالعلم الذي لا يعترف إلاّ بالوثائق والشواهد بكونه يدخل بفلسفته إلى جوهر الأشياء، نجد أن الدين ينسج الخيال التأملي الذي يسود العالم ليؤثر فيه يجذبه يريده أن يتشكل منه، وهنا تأتي دوافع البحث وفيها مكمن غايتنا أن نضع المسائل ونتائجها قيد الحقيقة، فمثلاً أور حقيقة تاريخية لها آثارها المادية المستمرة وإبراهيم هذا الرجل الأوري يعيش متنقلاً في الخيال الديني الكل ينسبه إليه ويستند إليه، مرتكزين إلى أور بيته وأمه وأبيه وفي العقل العلمي هو أقرب للأسطورة من الحقيقة، لم يوجد له أي أثر إلا في المقدسات والقصص الأسطوري لبلاد سومر ( أور ) وبلاد حوض بحر الأبيض المتوسط: كنعان وفينيقيا والجزيرة العربية ومصر الفرعونية، وكل هذا سنأتي إليه تباعاً حيث يرد ذكره الديني في كل منها .
إنني اعتقد أن أسطورة أبرام التي عرفت وسادت ما بين الهند والصين وإيران هي أصل عقيدة ( براهما ) الهندية، تطورت في أور إلى أبرام وبعد أبرهام كما ذكرنا إلى أن وصل إلينا إبراهيم، مع احترامنا وإجلالنا لهذا الفكر الذي سكن المقدس الروحي وامتلأت به نفوس السواد الأعظم من البشرية جمعاء، والمقاربة التي نجريها وهي قادمة من عبادة السلف حيث كان هناك تقديس هائل لعبادة الأسلاف عبر التاريخ، كما أن تأكيدي على أن البحث العلمي الذي أنجز في أعمق أعماق التاريخ والمدون مع اكتشافات الإنسان القديم، وأنه كان إنساناً ذكياً جداً لم يفارقه ذكاؤه ولم يخنه حتى في أعقد مراحل التطور والفناء والذي بلغ عمره الزمني حتى الآن أكثر من ستة ملايين عام، وأقصد إنسان جاوا الآسيوي وإنسان نياندرتال في أوروبا وإنسان لوسي في إفريقيا وإنسان الأنكا والمايا، كلهم أنجزوا عبادات وأديان تاريخية تجمعت كأساطير في أور جنوب العراق، تعود وتغزوهم حيث اعتنقت في عقلها الباطن ولبست شخصاً هو أبرام الأوري ليقود حركة إنجاز الأديان الثلاثة، وكل له فيه صلة واختصاص أينما وجد على وجه الكرة الأرضية بأبعادها وقاراتها ومناطقها فلا تسأل عنه إنساناً إلا ويجيبك معرفة به .
لماذا أقول هذا وأنا أختم هذا البحث عن أور؟ إن جل غايتي هو الابتعاد النهائي عن الموروث التوراتي الذي أسس ودعم ونسب كل علم وكل تاريخ يحتاج العالم اليوم إليه، وإن من لا يأخذ به لا يمتلك الحقيقة، حيث يجرّم ويحاسب و يحاكم ويعتبر خارجاً على القانون التوراتي، وفي الحقيقة وبجرأة أقول يجب الابتعاد عنه ليتم كشف الحقيقة ويتغير وجه العالم البشري الإنساني؛ الذي لا مناص من تغييره الآن لفهم حقيقة التاريخ التي شوهت كثيراً، وللأسف زورت تحت مسمى نظرية تراكم الكذب، أي اكذب ثم اكذب ثم اكذب تغدو الكذبة حقيقة، وبما أن الكثرة البشرية لا تعرف الغوص ولا تريد التعب العلمي للوصول إلى الحقيقة التي تقلب المجن رأساً على عقب، هنا نقول: إن الحقيقة تتعب وإن علينا الكشف على التأريخ الذي صنعه بعض البشر كي نظهر التاريخ الإنساني الحقيقي، فتظهر حقيقة أور وإبرام وسومر وأكاد وإيبلا وأوغاريت وفينيقيا وكنعان ومكة والفرعون المصري، إن فلسفة التكوين الفكري غايتها إعادة الأشياء إلى أصلها، ومن ثم ترتيبها لفهم التسلسل الاجتماعي والعلمي والتاريخي للإنسان كحقيقة قادمة من تاريخ حقيقي لا وضعي ولا صنعي ولا خيالي .
د.نبيل طعمة