إسرائيل في «الأزمة الأخطر»: نتنياهو وخصومه نحو «كسر عظم»؟
أخبار عربية ودولية
الاثنين، ٢٤ يوليو ٢٠٢٣
وصف ضابط إسرائيلي في الاحتياط، ممن قادوا في السابق وحدتَي «دوفدفان» و«الشييطت» وفرقة خاصة في الموساد، الأزمة الداخلية في إسرائيل، بالأخطر منذ قيام الكيان عام 1948، قائلاً إن «إسرائيل منقسمة بين قبيلتين كبيرتين، كل منهما مقتنعة بطريقتها الخاصة، وتعمل على فرضها على الآخرين». وأضاف، بحسب ما نقلت عنه صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن «الصدع أكبر من أيّ وقت مضى، وهو أكبر خطر على إسرائيل، إذ إننا قريبون جداً من تدمير الدولة»، في ما يُعدّ التوصيف الأقرب إلى الواقع إلى الآن. ويأتي هذا بعدما أوحى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه قرّر التراجع عن التشريعات القضائية، ولكنه يبحث عن انتصار ما، يخرج عبره من المعركة بأقل الأضرار الممكنة.
وهو كان ينوي، كما قال لبايدن، أن يكمل، فحسب، مسار إصدار قانون تعطيل «بند المعقولية» في "الكنيست" (معيار المعقولية هو الذي يسمح للقضاء بإبطال قرارات الحكومة)، ومن ثمّ يبحث عن «إجماع إسرائيلي كبير» قبل أن يتّخذ الخطوات اللاحقة. وعُدَّ ذلك الحديث رضوخاً للضغوط، وتراجعاً عمّا كان ينوي مع شركائه فرضه على أكثر من نصف الإسرائيليين، إلا أن المعارضة لم تتلقّف إشاراته، وقرّرت المضي قدماً في تعظيم الاحتجاجات بلا أنصاف حلول: إما هزيمة كاملة، أو مواصلة التحرّك مهما كانت الأثمان حتى تحقيق انتصار كامل.
ويبحث نتنياهو وشركاؤه عن «سلّم للنزول عن الشجرة العالية جداً» التي صعدوا إليها، إلا أن المعارضة التي لمست قوّة تحرّكها واحتجاجاتها، مع انضمام عناصر الاحتياط إلى صفوفها، بما يعظّم خطواتها وتأثيرها، لم تتماش مع إشارات نتنياهو، في حين أنه يصعب عليه هو، في المقابل، أن يسمح للآخرين بأن يكسروه بقسوة، كما يريد معارضوه. والمسألة، للتوضيح، ليست مسألة شخصية فحسب، بين رئيس حزب يتولّى الحكم مع شركاء له، ومعارضين له يخاصمونه سياسياً. وإن بدت كذلك، فإن أساسها معركة بين الشريحتين الاجتماعيتين الكبيرتين المتعارضتين، وإن كانتا تحملان الهوية السياسية الإسرائيلية نفسها، تماماً كما وصفهما الضابط الإسرائيلي الآنف الذكر حين قال لصحيفة «إسرائيل اليوم» إنهما «القبيلتان اللتان تريد إحداهما فرض إرادتها على الأخرى، بما يفضي إلى أكبر تهديد على الدولة العبرية، الذي يمكن أن يفضي إلى تدميرها».
هي، إذاً، خلطة من مصالح شخصية وجماعية، متقابلة ومتنافرة جداً، على أحد طرفيها جماعة يمينية وفاشية التقت مصلحتها مع المصلحة الشخصية للحاكم (نتنياهو) كي تعمل على فرض إرادتها على الجماعة أو الجماعات الأخرى، بما يمكّنها من سنّ قوانين، مهما كانت شاذّة وضارّة للآخرين (من اليهود قبل غيرهم) من دون إمكان تعطيل القوانين أو إلغائها، وهو ما لا يتم إلا عبر تكبيل يد القضاء، الذي كان ولا يزال يلغي قوانين من شأنها أن تغيّر «قواعد الاشتباك» بين «المجتمعات الإسرائيلية» ويمنع غلبة فئة على أخرى.
في المقابل، تدرك الفئات الأخرى من الإسرائيليين، أن بقاء إسرائيل على ما هي عليه، يوجب الإبقاء على القضاء الإسرائيلي كما هو، مع شخصيات القضاة الذين يستنسخون أنفسهم عبر تعيينات، لهم هم الكلمة العليا فيها، وكذلك عبر الأدوات القانونية التي يعملون من خلالها على إبطال القوانين التي تخرق الستاتيكو و«العقد الاجتماعي» بين الجماعات الإسرائيلية.
إلا أن الحال في الجماعة الثانية، كما هي الحال في الجماعة الأولى. فالمعارضة التي تتحرّك وفقاً لأجندة ومصالح فئة اجتماعية متعارضة مع اليمين والفاشية وطروحاتهما التي تهدف إلى الحدّ من الليبرالية وربما أيضاً إلى إلغائها، تأتي مصحوبة بدوافع ومصالح شخصية لعدد كبير من قادة الاحتجاجات من السياسيين. قد يقال إن الخلطة في هذا الجانب أو ذاك طبيعية جداً، فلا فئات اجتماعية، عملياً، بلا قادة يعبّرون عنها وعن مصالحها. وبالتبعية، عندما يكون هناك أشخاص، فهناك مصالح شخصية. وإن صحّ هذا التفنيد، فهو يعقّد الصراع في إسرائيل أكثر مما هو معقّد؛ إذ يتعزّز الانشقاق مع تنامي المصالح الشخصية لقادة الفريقين، وما كان ممكناً، من حلول وسطية، بات الآن صعباً مع الشخصانية: إما انتصار كامل أو هزيمة كاملة. المعركة باتت إذاً صفرية.
دخول المؤسسة العسكرية على خط الضغوط، يغيّر كثيراً في ميزان القوى بين الجماعتين وقيادتيهما. بالطبع، يوجد كثير من المبالغة حول ما يقال عن «فرط الجيش الإسرائيلي»، وإنه خلال 48 ساعة من إقرار «بند المعقولية» لن يكون قادراً على خوض حروب. لكن في المقابل الوضع في الجيش غير سويّ، والحديث يجري عن أضرار تتعلّق بتماسكه ومنعته، وليس فقط بكفاءته، التي بدورها قد تشهد تراجعاً نسبياً. هل يكون الجيش واحتياطيوه هم من يفرضون الإيقاع السياسي والاجتماعي في إسرائيل؟ لا يمكن استبعاد أي فرضية في أزمة غير مسبوقة في الدولة العبرية التي ظهرت انقساماتها الاجتماعية، وما كان خَفياً وراء ستار رقيق جداً، إلى العلن. فتدخّل الاحتياط إلى جانب الليبراليين، يعزّز موقفهم، ويتيح لقادتهم أن لا يكتفوا بإيقاف خرق قواعد الاشتباك بين الجماعات الإسرائيلية، بل أن يسعوا إلى إسقاط الفاشيين عن كراسي الحكم. وهنا يأتي العامل الشخصاني ليتحكّم في المسار والحدّ الذي يمكن أن تصل إليه المعارضة.
في المقابل، لم يعد بإمكان نتنياهو وشركائه التراجع، كما يريد المعارضون، بما يصل إلى حدّ إسقاطهم، مع إدراكهم أنهم لن يفوزوا في أي انتخابات مقبلة، بعد أن تسبّبوا بتظهير الشروخ الكبيرة في «مجتمع المجتمعات» في إسرائيل، الأمر الذي يزيد من الحدّة والتعنّت والمكابرة، مقابل الإصرار والسعي لتحقيق الأهداف كاملة. خلال أيام، سيقرّ «الكنيست» أو لا يقر، «بند المعقولية»، وهو أقلّ القوانين إيذاء للقضاء قياساً إلى ما كان يُخطَّط له. والاحتمالان واردان، وإن كان أصحاب القرار في تل أبيب، إلى الآن، لم يقرّروا اتّباع أي منهما. لكن في حال الإقرار، سيحكم من يصوّت لمصلحة هذا القانون على نفسه بالسقوط، مع المجازفة بإمكان أن تتأزّم الأوضاع أكثر مما هي عليه، وبما ينذر بالأسوأ، ليس فقط في ما يتعلق بالمنحى الشخصي، بل وأيضاً بمصلحة إسرائيل الدولة. أيضاً في حال التراجع، والامتناع عن التصويت على القانون، فسيكون نتنياهو ومن معه، وكذلك الفئة الإسرائيلية التي يمثّلونها في هذا الصراع، قد تكبّدوا هزيمة لن يكتفي معارضوهم بها، وهنا تكمن معضلة الائتلاف.
لكن هل يمكن استشراف الآتي؟ الأمور مفتوحة على احتمالاتها التي لا تُحصر، ومن بينها السيّئ والأسوأ، وكذلك الحلول التي تمثّل في جوهرها ترحيلاً للصراع والأزمات إلى المستقبل، حيث ستكون الأزمة أعمق وأكثر تعبيراً عن الشرخ والتضادّ، وأسوأ بكثير في نتائجها وتداعياتها. إلا أن القدر المرجّح هو أن «تغيير قواعد اللعبة الاجتماعية» في إسرائيل، سقط وإن بثمن تظهير وتعزيز الصدوع، في الدولة العبرية الواحدة.