إسرائيل كما لم تُعرَف من قَبل: «حرب الإخوة» أكثر قرباً
أخبار عربية ودولية
الخميس، ٢ مارس ٢٠٢٣
بعد شهرَين على إطلاق زعماء المعارضة تحذيراتهم من «حرب الإخوة»، اندلعت شرارة هذه الحرب بالفعل من مفرق «يغئال ألون» في تل أبيب، التي شهدت أعنف مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والمحتجّين ضدّ خطّة «الإصلاحات القضائية». وبينما أوقعَ القمع عشرات الإصابات والمعتقَلين، مرّ قانون منْع عزْل بنيامين نتنياهو بالقراءة التمهيدية، في خطوة أولى على طريق حظْر محاكمته بتهم فساد
تحت عنوان «يوم التشويش الوطني»، الذي يستمرّ اليوم أيضاً، حذّر المعسكر المناوئ لحكومة بنيامين نتنياهو، في دعوة وجّهها إلى التظاهر عبر موقعه الرسمي «ري ستارت إسرائيل»، من أنه «ينتقل إلى العمل المباشر»؛ إذ «لن يَسمح بأن تكون إسرائيل دولة دكتاتورية»، مبيّناً خريطة تظاهراته ووقفاته التي شملت عشرات المدن والمستوطنات من أقصى الشمال إلى الجنوب. ولم تمضِ ساعات قليلة على الاحتجاجات العنيفة والمواجهات غير المسبوقة بين الشرطة والمحتجّين ضدّ «الانقلاب القضائي» الذي تَدفع به حكومة نتنياهو، حتى انجلى المشهد عن عشرات المصابين بفعل استخدام الشرطة قنابل الصوت والهراوات وفِرق الخيّالة وسيّارات المياه العادمة في محاولة لتفريق المحتجّين وفتْح الطرق الرئيسة التي أغلقوها في أكثر من منطقة. وطبقاً لموقع «واينت» العبري، فإن الشرطة اعتقلت أكثر من 40 محتجاً في مفترق «يغئال ألون» بتل أبيب، فيما قبضت على آخرين شاركوا في التظاهرات التي انطلقت في حيفا وكفار سابا وكركور وكريات شمونة وبئر السبع، وأَغلق خلالها المحتجّون شوارع وطرقاً رئيسة بهدف التشويش على حركة السير.
وعلى وقْع الاحتجاجات، مرّت سلسلة من القوانين بالقراءة التمهيدية في «الكنيست»، فيما هدّد رئيس الوزراء بـ«(أنّنا) لن نتسامح مع العنف ضدّ عناصر الشرطة وإغلاق الشوارع والانتهاك الصريح لقوانين البلاد. حق التظاهر هو ليس الحق في الفوضى»، معلِناً دعْمه الكامل لشريكه في الائتلاف، وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، الذي وصف بدوره المحتجّين بأنهم «فوضويون»، معبّراً عن مساندته للشرطة واستخدامها وسائل فضّ التظاهرات، زاعماً أن «المتظاهرين ألقوا حجارة باتجاه قوّاتها»، وهو ما نفاه مُراسلو وسائل الإعلام المختلفة الذين نقلوا الحدث، مشيرين إلى مبادرة قوات الأمن نفسها إلى استخدام العنف.
ولم ينحصر قُطر الانشقاق الإسرائيلي داخل المجتمع، بل امتدّ إلى مؤسّسة الجيش، حيث أغلق أمس ضبّاط وجنود في قوات احتياط الجيش سكّة الحديد أمام قطارَين في محطّة القطارات في جامعة تل أبيب ومنعوهما من التحرّك، فيما سدّ متظاهرون آخرون الطريق أمام حركة القطارات في أكثر من منطقة. بدورهم، ترك زعماء معسكر المعارضة مقاعدهم خلال جلسات التصويت على سلسلة من القوانين في «الكنيست»، وانضمّوا إلى المتظاهرين، في حين دعا رئيس المعارضة، يائير لابيد، المفتّش العام للشرطة، يعكوب (كوبي) شبتاي، إلى «تجاهُل المحاولات السياسية الخطيرة وعديمة المسؤولية من جانب الوزير بن غفير لتسخين الأوضاع أكثر». وعلى الفور، ردّ نتنياهو على ذلك بالقول إن «هناك شخصاً ينوي خلْق الفوضى يُدعى يائير لابيد، وهو الذي لم يستجب لدعواتنا إلى الحوار، إنه يريد ببساطة إثارة أزمة حكومية ودستورية». وأضاف «لا أحد يريد أن ينزل بالبلاد إلى الفوضى. لدينا مهام عظيمة ولدينا مهام مشتركة ومستقبل مشترك، وحان الوقت لوقف هذه الفوضى»، متابعاً أن «لابيد يريد إحداث أزمة حُكم، كما أقول، أزمة دستورية، وبالتالي، الوصول إلى انتخابات جديدة، لقد حان الوقت لإنهاء الفوضى». وعلى إثر المواقف المتقدّمة، احتدم تراشُق الاتهامات بينهما؛ إذ غرّد لابيد على صفحته الرسمية في موقع «تويتر» : «نتنياهو، الفوضى الوحيدة هنا هي من صُنع الحكومة، التي فَقَدتَ السيطرة عليها». واعتبر أن «نتنياهو أعطى المتفجّرات لبن غفير للعب معه، مع أنه كان يعلم أن ذلك سينتهي بانفجار»، مشيراً إلى أن «المتظاهرين هم من الوطنيين الإسرائيليين وأفضل مقاتلي الجيش الإسرائيلي. إنهم يقاتلون من أجل القيم، الحرية والعدالة والديموقراطية، دور الشرطة هو السماح لهم بالتعبير عن رأيهم والقتال من أجل البلد الذي يحبّونه».
وفي خضمّ التظاهرات، صادقت الهيئة العامة لـ»الكنيست»، بالقراءة التمهيدية، على فرْض عقوبة الإعدام على أسرى فلسطينيين. كما صادقت بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يمنع عزْل نتنياهو، من خلال إجراء التعذّر عن القيام بمهامه. ونصّ مشروع القانون الأوّل الذي قدّمته عضو «الكنيست»، ليمور سون -هار ميلخ، من حزب «عوتسما يهوديت»، الذي يتزعّمه بن غفير، على إلزام المحكمة بفرض عقوبة الإعدام على مَن يرتكب مخالفة قتل «بدافع عنصري وبهدف المسّ بدولة إسرائيل والشعب اليهودي في أرضه». أمّا المشروع المتّصل بمستقبل نتنياهو، والذي قدّمه رئيس الائتلاف، عضو «الكنيست» أوفير كاتس، من حزب «الليكود»، فنصّ على أن «الإعلان عن تعذُّر رئيس الحكومة يتمّ فقط في حالة عدم قدرة رئيس الحكومة الجسدية أو النفسية على القيام بمهامه. وبإمكان رئيس الكنيست أن يعلن عن تعذّر رئيس الحكومة شريطة أن يؤيد ذلك 90 عضواً». ومرّ قانون «العزل» بالقراءة التمهيدية في «الدقيقة التسعين»، عشيّة مداولات المحكمة «العليا» حول الالتماس الذي يطالب بعزل نتنياهو من منصبه بسبب محاكمته بملفّات فساد. ويستهدف التشريع الحدّ من صلاحيات المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف-ميارا، ومنْعها من إجراء مناقشات بشأن إمكانية إزاحة زعيم «الليكود» بسبب التهم الموجَّهة ضدّه.
إلى ذلك، تَوجّه رئيس «معسكر الدولة»، بيني غانتس، بخطاب إلى الهيئة العامة لـ»الكنيست»، قال فيه إنه «بعد 70 عاماً من الميلاد دُمّر الهيكل وشُرّدنا في شتات طويل، حيث أُهدرت دماء اليهود. وقبل حوالي 150 عاماً، بدأنا بالعودة إلى الاستقرار هنا في إسرائيل. قبل 75 عاماً، انتهت حقبة من الكفاح الطويل بمعجزة: أنشأنا دولة. أنا هنا في هذا البيت (الكنيست) الذي من المفترض أن يخدم الأمّة بأكملها، بينما هو الآن يمزّقها». وأضاف أنه «هنا في المبنى الذي من المفترض أن يرمز إلى الديموقراطية ويحميها، تُدمَر الديموقراطية كلّ يوم. لقد حذّرتُ قبل بضعة أسابيع وأنا أحذّر مرة أخرى من أننا نواجه تغييراً في وجه الدولة، لم تعُد دولة يهودية وديموقراطية وآمنة وفقاً لروح وثيقة الاستقلال، بل باتت ديموقراطية مشلولة وضعيفة ومقسَّمة إلى قبائل». وتابع متوجّهاً إلى نتنياهو بمطالبته إيّاه بالبدء في حوار، قائلاً: «أعلم أن الجدران عالية والفجوات كبيرة، لكن التاريخ لن يغفر لِمن لا يحاول منْع حرب الإخوة. ليس لدينا ما نخسره بالحديث، لدينا الكثير لنخسره إذا استمرّ الوضع في التدهور».
على أن كلام غانتس لم يرُق زميلته رئيسة حزب «العمل»، ميراف ميخائيلي، التي ردّت عليه بالقول إنه «ليس من الواضح لماذا تتطوّع لإعطاء نتنياهو شرعية لانقلاب. هذا ليس تفاوضاً، إنه فخّ. إذا سقطتَ فيه، فسوف تتضرّر الديموقراطية الإسرائيلية بشدّة. لقد خدعك نتنياهو في عام 2021 ووضعَنا جميعاً في دوّامة لم تَخرج منها الدولة حتى يومنا هذا. لا ترتكب هذا الخطأ مرّة أخرى، ولا تمدّ يد العون إلى تدمير الديموقراطية».