الأقصى هدفاً لاقتحامات غير مسبوقة | نتنياهو يلجم متطرّفي حكومته: الأولوية حفظ الهدوء

الأقصى هدفاً لاقتحامات غير مسبوقة | نتنياهو يلجم متطرّفي حكومته: الأولوية حفظ الهدوء

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٣ أكتوبر ٢٠٢٣

على وقع التصعيد الذي شهدته الأراضي الفلسطينية خلال الأيام الماضية، سواء في الضفة الغربية أو على حدود قطاع غزة، لا تزال حكومة الاحتلال، برئاسة بنيامين نتنياهو، تحاول، بكلّ الوسائل، تجنّب كل ما تراه معكّراً لـ«صفو» السيناريو المشغول عليه أميركياً نحو إنجاز اتفاق التطبيع مع السعودية، والذي بات أكيداً أنه يحتل صدارة اهتمامات إدارة جو بايدن الراهنة. وتجلّى ذلك واضحاً في الضغوط الأميركية على حكومة نتنياهو، خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، حين قال له إن «منع التصعيد العنيف ضد الفلسطينيين يساعد الإدارة على تعزيز الاتصالات مع الرياض».
 
على هذه الخلفية، وفي سياق محاولة كبح التصعيد الذي شهدته المناطق الحدودية مع غزة، يسعى نتنياهو إلى تحييد الأصوات الداعية إلى عدم الاستجابة لمطالب الفصائل الفلسطينية في القطاع، والردّ «بقوة» على عمليات «الشباب الثائر»، وهو ما أظهره استبعاد وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، من حضور جلسة المشاورات الأمنية التي عُقدت أول من أمس، مع رؤساء وقادة الأجهزة الأمنية. وبالفعل، خرج الاجتماع الأمني بتوصية للحكومة بتقديم تسهيلات لغزة خلال الفترة المقبلة، تلبية لمطالب فصائل المقاومة هناك، بعدما رأت دوائر الأمن الإسرائيلية أن حركة «حماس» تدفع الأمور إلى التصعيد ومستعدّة للمضي قدماً في ذلك. وتدور التسهيلات التي تنوي إسرائيل تقديمها خلال الفترة المقبلة، والتي جاء إقرارها عقب تدخّلات إقليمية ساهمت في تهدئة التصعيد على حدود القطاع، من بينها تدخل قطر ومصر والأمم المتحدة، حول زيادة حصة العمال الفلسطينيين الذين يُسمح بدخولهم إلى الأراضي المحتلة، وتخفيف شروط إدخال البضائع إلى غزة، بالإضافة إلى زيادة قطر المساعدات المالية التي يجري تحويلها إلى حكومة «حماس»، الأمر الذي أكّده السفير القطري، محمد العمادي، الأسبوع الماضي، بإعلانه «التوصل إلى تفاهمات سمحت بإعادة فتح معبر بيت حانون أمام العمال الفلسطينيين».
 
وفي الاتجاه نفسه، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن حكومة نتنياهو تدير محادثات مع قطر لإدخال أموال إضافية إلى غزة، كما تدرس زيادة عدد العمال المسموح لهم بالعمل في الداخل المحتل، بالإضافة إلى تليين سياسة إدخال البضائع إلى القطاع. أما في الضفة الغربية، فكشفت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية عن إضافة مئات ملايين الشواكل إلى موازنة السلطة الفلسطينية، بهدف تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة، وتعزيز قوة سلطة رام الله، أملاً في مساعدتها على اجتثاث الخلايا العسكرية التابعة للمقاومة.
ولم تمنع محاولات التهدئة هذه، سلطات الاحتلال من مواصلة أجندتها التهويدية في القدس المحتلة، التي تحوّلت إلى ثكنة عسكرية مع انتشار المئات من جنود العدو فيها لتأمين وصول آلاف المستوطنين إلى الحرم القدسي بالتزامن مع موسم «الأعياد اليهودية» المتواصل. وسجّل اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، في ثالث أيام «عيد العرش» أمس، رقماً غير مسبوق، تخطّى الألفين في كل من الاقتحامَين الصباحي والمسائي، وسط توقعات بأن تتزايد أعداد المقتحمين إلى ما يفوق ثلاثة آلاف مستوطن اليوم. وبينما اعتدت قوات الاحتلال بصورة همجية على المرابطين في منطقة باب السلسلة المؤدية إلى الأقصى، واعتقلت 5 منهم، اجتاح البلدة القديمة سيلٌ من المستوطنين الذين اعتدوا بدورهم على المقدسيّين في طريقهم إلى حائط البراق، قبل أن يؤدي الآلاف منهم طقوساً تلمودية في احتفال ما يُعرف «بركة الكهنة». والجدير ذكره، هنا، أن «منظمات الهيكل» تتّخذ من «عيد العرش» مناسبة سنوية لزيادة أعداد المستوطنين المقتحمين، علماً أن هذا «العيد» هو أحد «أعياد الحج» الثلاثة وفق النصوص الدينية اليهودية.
 
أما في الضفة الغربية، فلا يزال التأهب العسكري الإسرائيلي في أعلى مستوياته، مع استمرار ورود الإنذارات من تنفيذ عمليات فدائية في الضفة والداخل المحتل، في وقت سُجّلت فيه آخر هذه العمليات في مستوطنة «عساهيل» جنوب مدينة الخليل المحتلة، ليل الأحد - الإثنين، حيث تسبّب إطلاق نار بأضرار في منازل المستوطنين، ليغلق الاحتلال إثر ذلك مداخل المستوطنة والطرق المؤدية إليها. كما سُجّلت العشرات من عمليات رشق الحجارة والعبوات الناسفة المحلية الصنع، في مقابل تواصل هجمات المستوطنين واعتداءاتهم على القرى الفلسطينية. وفيما يواصل جيش العدو اقتحاماته اليومية لمدن الضفة وبلداتها، فهو زعم تدميره، خلال الـ72 ساعة الأخيرة، أكثر من 10 مخارط لإنتاج الأسلحة في رام الله والخليل.
ويأتي هذا بينما نقلت مصادر سياسية وأمنية أن «محاولات الهجوم من إيران تتزايد» في الضفة. وفي السياق، ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية أن «إسرائيل تشعر بتزايد الدوافع الإيرانية لمحاولات الهجوم المباشر داخل فلسطين المحتلة»، مشيرة إلى أن «الدافع الإيراني تجلّى في إدخال ذخائر عالية الجودة إلى إسرائيل (أسلحة وعبوات ناسفة)، ومحاولات توجيه عمليات». وقال مسؤول أمني للصحيفة نفسها: «إننا نشهد في إسرائيل زيادة في محاولات الهجوم من إيران»، خاصة داخل الضفة، ولكن أيضاً في غزة، مشيرة إلى أن النقاش الأمني الذي دار بين كل المستويات في دولة الاحتلال حول التصعيد في ساحات الضفة وغزة ولبنان وصل إلى أن «هناك عاملاً واحداً يربط كل القطاعات وهو التورّط الإيراني الذي يقود حرب الاستنزاف هنا. وحقيقة أن تلك المحاولات لم تصل إلى العناوين الرئيسة هي نتيجة لإجراءات مضادة واسعة النطاق تؤتي ثمارها يومياً». كذلك، تشير التقديرات في إسرائيل إلى أنه يتم العمل في الضفة على توزيع الأموال والأسلحة بشكل «حر» وغير مستهدف، وأن إيران هي التي تقوم بتهريب الأسلحة عبر الأردن. وكان جيش الاحتلال وجهازا الشرطة و«الشاباك» قد أعلنوا، في 27 أيلول الماضي، اعتقال خلية تعمل لصالح إيران وتتلقّى التوجيهات من شخص مقيم في الأردن، ومهمتها اغتيال مسؤولين إسرائيليين بينهم بن غفير والحاخام اليميني يهودا غليك، الذي يُعتبر من أكبر المحرّضين على اقتحام الأقصى. وذكرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن الشخص المقيم في الأردن كان يوجّه الخلية نيابة عن مسؤولين أمنيين إيرانيين، وأن هذه الأخيرة تضم 5 أشخاص، 3 من محافظة جنين و2 من داخل الخط الأخضر، وأن الخلية كُلّفت بإحراق سيارات وممتلكات إسرائيلية والتقاط صور لمناطق حساسة في إسرائيل.
 
 
في هذا الوقت، تتجه الأنظار، خلال الأيام القليلة المقبلة، إلى القرى والجبال في الضفة، والتي من المتوقع أن تتحول إلى ساحة مواجهة مع بدء الفلسطينيين موسم قطاف الزيتون، والذي يحوّله المستوطنون إلى موسم لارتكاب اعتداءات مركّزة ضد المزارعين وممتلكاتهم، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التوتر في الضفة. ووجّهت منظمة «يش دين» الإسرائيلية، صباح الأحد الماضي، رسالة عاجلة إلى وزير الحرب والمفوّض العام للشرطة وقائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، تحذّر فيها من عنف المستوطنين خلال أيام القطاف. وقالت المنظمة، في بيان، إنه «سيبدأ في الأيام المقبلة موسم قطاف الزيتون في الضفة الغربية، وهو فرع رئيسي ومركزي للزراعة في اقتصاد القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا يقل أهمية عن ذلك أنه ينطوي على بعد ثقافي واجتماعي كبير أيضاً»، مستدركةً بأن «هذا الموسم تشوبه العديد من حوادث العنف والسرقة والتخريب من جانب المستوطنين، ما يدل على ضعف الاستعداد من جانب القوات الأمنية المكلّفة بالحفاظ على النظام العام وحماية السكان». ووثّق محققو المنظمة «38 حادثة عنف خلال موسم قطاف الزيتون العام الماضي، بما في ذلك الاعتداء ومنع القطاف وسرقة المحاصيل، وإتلاف أشجار الزيتون (اقتلاع، تسميم وحرق) وأضرار في ممتلكات لا علاقة لها بموسم الزيتون».