الخمسية الحادية عشرة في أزمة..
من "لابدّ" إلى "يجب".. هل تتحقّق رؤية الـ 2025!!

الخمسية الحادية عشرة في أزمة.. من "لابدّ" إلى "يجب".. هل تتحقّق رؤية الـ 2025!!

الأزمنة

الجمعة، ٢٠ يوليو ٢٠١٢

تم وضع الخطط الخمسية لإحراز التنمية الاقتصادية كأحد أهم الأساليب والوسائل التي تدفع الدول والقادة السياسيين والاقتصاديين في اتخاذ القرارات ووضع الخطط التي من شأنها إحداث التنمية الاقتصادية وعبر إستراتيجيات متعددة من ضمنها تحديد الأهداف التي من الضروري تحقيقها، وإنشاء مؤسسات خاصة بها، ووضع برامج استثمارية متنوعة للانطلاق، وتعبئة وتنشيط الموارد والطاقات القومية في خدمة الشعب.
على الرغم من عدم تحقيق نصف المأمول, جاءت الخطة الخمسية الحادية عشرة استمراراً للخمسية العاشرة، والتي وضعت أسسها حكومة العطري السابقة، والتي تعتبر أحد أهم أسباب الأزمة الحالية بعد أن بنت الخطة بأكملها اعتماداً على نقطة التحول الهامة في الاقتصاد السوري حين اعتمد التحول باتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي، هذا الاتجاه الذي لعب دوراً أساسياً بتشجيع القطاع الخاص للقيام بدور الشريك الفاعل في صياغة وتنفيذ الخطط الإنمائية، بالإضافة للدور الذي قام به في مراجعة سياسة وآليات الدعم من خلال الموازنة العامة للدولة، وإعادة هيكلة المنشآت الصناعية القائمة وجعلها تعمل بقواعد الربحية وترك القوى المنتجة تحت رحمة القوانين والقرارات الارتجالية.
لماذا الخطط الخمسية..؟
لقد كان بدء التوجه لوضع الخطط الخمسية لدى العديد من البلدان المتنوعة في اقتصادها بما فيها سورية بدءاً من عام 1960 وحتى الآن، أي منذ أن كانت سورية جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، وهكذا تكون سورية قد نفذت ثماني خطط في القرن العشرين، واثنتان في القرن الواحد والعشرين، مع الاستعداد لدخول الثالثة بعد أن وضعت الخطة الخمسية الحادية عشرة 2011 – 2015، ولم يتم المباشرة فيها نتيجة الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، هذه البلاد التي استهلكت ضمن سياق خططها الخمسية في القرن العشرين أعواماً كثيرة من عمر وحياة الجميع وطناً وشعباً، مؤسسات حكومية ورسمية، وتوجهات اقتصادية مختلفة نتيجة الاختلاف في الرؤى لدى المدارس الاقتصادية التي قادت التجربة الاقتصادية في البلد، فكان من الطبيعي أن تكون الخطط المعدة والمنفذة في هذه الفترة المديدة حافلة بالصعوبات والإخفاقات.
من المعروف أن الاستقرار السياسي لأوضاع البلد بشكل عام يعتبر المساهم الأساس في تحقيق أي تنمية منشودة، خاصة وأن والإمكانات المادية المطلوبة من القضايا النقدية والمالية والبشرية والفنية والإدارية لم تكن في متناول اليد مما صعبت كثيراً من مهمة القائمين على قيادة دفة الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الاستقرار السياسي أي بعد 1970عام.
إننا نقول هذا رغم علمنا أن بعض الخطط الخمسية انطلقت في أحايين كثيرة من نقطة الصفر لعدم وجود أو توفير المستلزمات الهامة للخطة، مما صعبت من عمليات الانتقال من حيث التوجه أو الانطلاق من نقطة الصفر للواقع المتشعب بكل تجلياته من الاقتصادي والخدمي والفكري والاجتماعي باتجاه إيجاد بنى تحتية اقتصادية وخدمية وثقافية وبشرية، هذه التوجهات المرتبطة أصلاً بإمكانيات مادية سواء في الداخل أو في الخارج، والتي كانت السبب في تعطل المئات من المشاريع والتوريدات التي تحتاج للتمويل الخارجي بالقطع الأجنبي بسبب عدم توافر ذلك، والحصار الذي تعانيه سورية من الأزمة الحالية لا تختلف عمّا عانته عبر تاريخها الحديث بدءاً باتفاقية كامب ديفيد وأحداث لبنان مروراً بحرب العراق- إيران وحرب الخليج الثانية- وصولاً لحرب تموز، وانتهاء بالضغوط والحصار الخارجي الآن.
مع كل ذلك كان لابد من المضي قدماً في تلك الخطط من أجل تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وتأمين شبكات الخدمات المنوعة في البنى التحتية من طرقات، كهرباء، سدود، مرافئ، إحداث معامل وصناعات تحويلية أساسية، وإحداث مؤسسات تعليمية من جامعات ومعاهد ومدارس، وأخيراً توسيع وتحديث النشاط الزراعي بتوسيع واستصلاح الأراضي الزراعية، وتطوير وتحسين الثروة الحيوانية والثروة النباتية والاهتمام بزيادة المنتج الغذائي التي نتباهى به من الأقماح والشعير والحبوب الأخرى.
خطط القرن الواحد والعشرين
لم تختلف الخطة الخمسية التاسعة 2001- 2005، والخطة الخمسية العاشرة 2006- 2010 عن سابقاتها الثمانية من حيث القصور في استخدام العلم ومقتنياته، والآلية المتطورة في تنفيذها، وعدم توافر الإدارة الكفء في قيادتها، ولهذا وعند إعداد الخطة الخمسية العاشرة، فإن هذا الإعداد افتقد الاتصال بالخطط السابقة وخاصة الخطة الخمسية التاسعة مع وجود التوحد في الأهداف والغايات بين الخطتين بشكل عام، لكن الحقيقة التي لا مهرب منها هي أن الخطتين التاسعة والعاشرة تضمنتا عناوين أساسية في الأهداف الاستراتيجية- الأهداف العامة - السياسات والإجراءات – البرامج الاستثمارية.
 إن ما كان مختلفاً بين الخطتين عدد الصفحات، ففي حين بلغت صفحات مشروع الخطة الخمسية التاسعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مئة وست عشرة صفحة، فإن عدد الصفحات كملخص لمشروع الخطة الخمسية العاشرة كتنمية تشاركية محورها المواطن اجتماعياً – اقتصادياً وبيئياً هي خمسمئة واثنتان وثمانون صفحة، وكانت هذه الزيادة في الصفحات بسبب أن الفصول العشرة تضمنتها وثيقة الخطة الخمسية التاسعة أصبحت سبعة وعشرين فصلاً مع ملحق تضمن استثمارات الخطة الخمسية العاشرة، وبالعودة لفصول الخطتين نجد بعض الفصول في الخطة التاسعة توزعت إلى عدة فصول في الخطة العاشرة مع بيانات أكثر عدداً وأكثر توسعاً في تحديد الإجراءات.
وبناء على ما ذكر أنجزت هيئة التخطيط والتعاون الدولي إعداد مسودة الخطة الخمسية الحادية عشرة بالتعاون مع جميع الجهات ذات العلاقة بملحقاتها المختلفة، ونتيجة الظروف التي تمر بها سورية حالياً أصبح إعادة ترتيب الأولويات فيما يتعلق بالإنفاق العام قائمة يجب الاستجابة إليها، وقال معدو الخطة إنه وعلى أية حال فإن تنفيذ المشاريع الواردة في الخطة هي مشاريع عمل مختلف الجهات العامة والجهات ذات العلاقة، وبالتالي فإن تأخر قرار الخطة لا يعني توقفها، وعلى العكس من ذلك فإن بعض الأولويات الواردة في الخطة أصبح من الضروري الإسراع في تنفيذها.
الوثائق الثلاث للخطة الحادية عشرة:
الوثيقة الأولى كانت عبارة عن مئة وعشرين أو ثلاثين صفحة حسب نوعية الورق المستخدم وتتضمن تحليلاً للوضع الاقتصادي الراهن في سورية، إضافة إلى الرؤية والتحديات والركائز، وتتضمن بعد ذلك الاستراتيجيات الكلية والقطاعية وحسابات الاقتصاد الكلي أو الأهداف الكمية، ومن ثم السياسات والبرامج والمشروعات.
بينما جاءت الوثيقة الثانية عبارة عن برامج تنفيذية سنوية، أي إنه سيكون في عام 2012 كذا وكذا.. وهكذا لمدة خمس سنوات كل سنة على حدة، مع وضع برنامج تنفيذي سنوي لعام 2011، على أن يتضمن هذا البرنامج إمكانية تنفيذ هذه الخطة لأنه سيتضمن حساباً للتكاليف وسيكون مرتبطاً بالموازنة الاستثمارية للدولة.
في حين كانت الوثيقة الثالثة معنية بالخطط المحلية، حيث كان من المفترض أن يكون ولأول مرة في سورية خطة محلية لكل محافظة، وستكون هذه الخطط المحلية منسجمة مع الخطة الوطنية، وستكون بنفس المنهجية ونفس الآلية وستتضمن تحليلاً للوضع الاقتصادي الراهن للمحافظة، وتتضمن كذلك رؤية المحافظة وتحدياتها وأهدافها، واستراتيجياتها وبرامجها ومشاريعها، وستبيّن هذه الخطط المحلية أن التحديات مختلفة من محافظة لمحافظة، وخصوصًا في ظل ظروف اللاتوازن الذي يعيشه القطر في المرحلة الحالية، بالإضافة إلى وجود اختلاف في المزايا النسبية من محافظة لأخرى.
ملامح الخطة المنتظرة
أكد معدو الخطة الحادية عشرة في أكثر من مناسبة أنهم يريدونها خطة مختلفة عن تلك التي أطلقوا عليها الخطة الخمسية العاشرة من حيث المعالجة أو في ملامح الخطة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن الهدف كان منذ البداية وضع رؤية لسورية عام 2025، أو لمواصفات الحالة الاجتماعية والاقتصادية التي تصنع سورية عام 2025، وما هو وضع العدالة الاجتماعية واقتصاد السوق ودور الدولة فيها؟ ثم ما هي حقوق المواطنين في التعليم والصحة؟ وما هي تلك القطاعات الاقتصادية المستهدفة التي ستحقق التنمية المطلوبة؟ مع تحديد التحديات التي تواجه تطور ونمو الاقتصاد السوري، والأهداف الكمية للاقتصاد الكلي واستراتيجيات الوصول إلى هكذا اقتصاد.
وأجمع معدو الخطة أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة في سورية تتوقف على بناء رؤية واضحة للمجتمع المنشود اقتصاديًا واجتماعيًا في ظروف غاية في التعقيد دوليًا وتقنيًا وتنافسيًا، لذلك لابد من اختيار اتجاه التطور ضمن خيارات عديدة مطروحة وضمن إمكانيات متاحة محدودة.
وإنه ومن أجل حتى التعرف على المشهد المستقبلي العام للاقتصاد والمجتمع لسورية عام 2025، لا بد أن تعكس هذه الرؤية أهداف وتطلعات الشعب السوري ومؤسساته وقياداته، ولابد أن تلقي هذه الرؤية الضوء على الطريق التي تمر عبرها عملية التنمية، ولابد أن تقدم إطارًا استراتيجيًا للخطط الخمسية الثلاث القادمة حتى عام 2025، كما يجب أن تبيّن هذه الرؤية أن المطلوب بلدًا متنوعًا حيويًا ديمقراطيًا، ويجب أن تطمح إلى احترام حقوق الإنسان ومساواة الناس جميعًا أمام القانون، ولابد أن تضمن قيام مؤسسات فاعلة ومنفعلة تحقق تطلعات الأمة، كما لابد أن يكون لسورية دور مركزي على المستويين الإقليمي والدولي، ولابد أيضاً أن تنجز سورية مهام التنمية المستدامة المتوازنة، مع الموائمة بين النمو السكاني الذي تشهده سورية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
زاد «لابد» فكانت النتيجة واحدة!
كما لابد أن تعتمد سورية على الذات وتنفتح في نفس الوقت على العرب وعلى المحيط الإقليمي والعالمي«هذا كله حسب الخطة وعلى ذمتهم» وأنه لابد من تحقيق التوازن بين اقتصاد السوق ومتطلبات العدالة الاجتماعية، ولابد من بقاء دور الدولة كدور أساسي وضامن لتحقيق التوازن بين متطلبات السوق ومتطلبات المجتمع.
ولابد أيضاً من الوصول لاقتصاد معرفي تقوده فعاليات متجددة ومتقدمة تقنياً، ولابد من مشاركة واسعة وفعالة للقطاعين الخاص والأهلي، ولابد من المحافظة على هوية سورية وثقافتها وتراثها وطاقاتها وقيمها، ولابد من الوصول لوضع صحي وتعليمي متميز ذي إنتاجية عالية وتنافسية مقبولة، وفي النهاية لابد من إجماع السوريين كافة على هذه الرؤية، ولابد من مناقشتها مع جميع قطاعات الدولة والمجتمع.
فهل من المعقول أن الخطة الخمسية الحادية عشرة وفي مدخل ملامح الخطة الذي لا يتجاوز صفحتين قد ذكر فيه كلمة «لابد» ست عشرة مرة، في حين لم تذكر كلمة «يجب» سوى ثلاث مرات فقط؟؟!.
إن الانحياز للدفاع عن الوطن والمواطن ليست تهمة يحاسب عليها القانون، لذلك فإن السؤال الهام الذي يطرح نفسه هو: ماذا حققت الخطة الخمسية العاشرة عبر سنواتها الخمس حين لم تكن هناك أزمة كالتي نعيشها اليوم؟ وماذا يمكن أن تحقق الخطة الخمسية الحادية عشرة والتي لم تر النور بعد نتيجة الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد؟ وهل من مخرج لتطبيق ولو الجزء اليسير منها خدمة للوطن والمواطن؟؟!.
Alinimer1971@gmail.com