الروتين القاتل يشل حركة العديد من المؤسسات .. هل اكتسب مناعة وبات عصياً على الحل؟
أخبار سورية
الخميس، ٣ نوفمبر ٢٠٢٢
غسان فطوم
رغم الإعلان عن افتتاح مراكز النافذة الواحدة في عدد كبير من مؤسسات الدولة في مختلف محافظات القطر، ورغم التكنولوجيا الحديثة التي غزت العالم وساهمت في أتمتة جزء كبير من العمل، لكن للأسف لا زال الروتين القاتل قائماً يعقّد انجاز المعاملات ويؤخرها لأيام عديدة وسط جو من الترهل الإداري الذي بات كالداء العضال الذي ينخر جسم المؤسسات ويهدد بموتها!.
حكايا وقصص
لا شك أن قصص وحكايا المواطنين مع الروتين الإداري كثيرة لا تعد ولا تحصى، منها الطريفة ومنها المؤلمة التي قضت على مستقبل أو فرصة عمر ينتظرها شخص على أحر من الجمر، لكنها ضاعت أمام موت ضمير موظف مستهتر لا أحد يحاسبه وهو يماطل مستنداً إلى حجج واهية، في وقت نتحدث فيه عن مكافحة الفساد الإداري!.
وحل الروتين!
في الحديث مع شرائح متنوعة لم يتردد الكثيرون ممن التقيناهم من وصف الروتين “بالوحل” الذي يغطس فيه كل جهد وكل مبادرة مفيدة للعمل لأنها لا تناسب عقلية هذا المدير أو ذاك، ولأنه إن تبناها ستشكل خطراً يهدد موقعه، لذلك يحاول دائماً أن يُحبط المجتهدين في العمل، عدا عن ذلك يمارس نوعاً من التعطيل والتعقيد لانجاز العمل الخاص بالصالح العام ليتحكم هو بحل العقدة بما يحقق مصالحه، علماً أن بعض المعاملات لا يستغرق انجازها بضعة دقائق أو ساعة بالحد الأقصى!.
هذا الأمر الذي يمثل جانباً من الفساد الإداري الواضح للعيان دعا البعض الحكومة للانتفاض على الروتين الذي يفرمل انجاز العمل بالوقت المناسب وبالجودة التي تُحقق سمعة طيبة للمؤسسة.
أهل الكهف!
وتساءل آخرون: لماذا العمل في المؤسسات الخاصة ينجز بسرعة قياسية وفي الدوائر الحكومية ينام “نومة أهل الكهف” في إشارة لطول مدة انجاز المعاملة؟!، معللين السبب بسوء اختيار المفاصل الإدارية وعدم تقدير أصحاب الخبرات والكفاءات عن طريق دعمهم بالحوافز كما يفعل القطاع الخاص الذي يجعل مرونة وجودة العمل في قائمة الأولويات، فخدمة الزبون بالنسبة للقطاع الخاص خط أحمر، بينما في المؤسسات العامة لا اعتبار لذلك إلا ما قلّ وندر!.
وسيلة ابتزاز
وبرأي البعض أن الموظفين يستخدمون سلاح التريث والمماطلة في اتخاذ القرار المناسب كوسيلة ابتزاز لإجبار المواطن أو العميل أو صاحب الحاجة للمقايضة بمبلغ أو منفعة شخصية، متذرعين بحجج قانونية وتعليمات إدارية مطاطة وهذا الأمر لا يمكن معالجته إلا بإصلاح القوانين والأنظمة الإدارية والتخفيف من حدة الروتين والمركزية وبتربية الموظف سلوكيا وأخلاقيا وزيادة الأجور.
الإدارة الرشيقة
وفي حديث مع عدد من طلبة قسم الإدارة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أكدوا أن تفشي الروتين والمماطلة في تسيير المعاملات اليومية يعود لضعف تأهيل الكوادر، مشيرين إلى ممارسات خاطئة تعطل مصالح الأفراد والمؤسسة، داعين إلى إقامة دورات تأهيل وتدريب للعاملين لتعلم أساليب إدارية أكثر مرونة ورشاقة محفزة للعمل، لأن استمرار الروتين يقتل الإبداع والابتكار عند العاملين، ولفتوا إلى أن هناك جيل جديد من الشباب يأمل أن تتاح الفرصة له لقيادة المؤسسات بعيداً عن الجمود والترهل، خاصة وأننا نعيش في عصر الانفجار المعلوماتي الذي جعل كل الأمور ميسرة بكبسة ذر وساهم في حل الكثير من الإشكالات خاصة التي تتعلق بمزاجية الموظف وضميره المريض.
تأجيل وتسويف!
في تعليقه على الروتين الممل في دوائر الدولة يرى الدكتور سامر مصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق أن هذه الظاهرة مزعجة وهي ما تسمى علمياً بالمماطلة الإدارية، وهي ذات تأثير سلبي قوي في إدارة الوقت لجهة إجراءات العمل المختلفة على مصالح الناس وأهداف عمل المؤسسات، وأشار الدكتور مصطفى إلى عدة أسباب تدفع الموظفين للمماطلة وتأخير العمل منها: المماطلة لإثبات الوجود والذات اعتقاداً منهم بأنهم يحققون شخصيتهم ووجودهم وذاتهم وأهميتهم داخل المؤسسة مما يؤدي إلى سلبية كبيرة على أداء العمل يدفع ثمنه المواطنين، والسبب الآخر شعور الموظفين بالعدائية تجاه الإدارة نتيجة قيامها بإجبارهم على تنفيذ أعمال لا يرغبون بها، وغالباً ما يولد هذا الإجبار من الإدارة حالة عدائية تجاه العمل مما يجعل الموظف يماطل في تنفيذ العمل وتأخيره، أيضاً قد يلجأ الموظفين للمماطلة والتقاعس بعملهم بسبب ظروف العمل نتيجة ضغوط العمل المحيطة بهم من كثرة الأعباء والمهام المكلفين بها, أو تكون أساليب العمل واحتياجات أماكن العمل غير ملائمة برأيهم لتنفيذ العمل، عدا عن أن المماطلة قد تكون ناتجة عن عدم الرضا من الموظفين نتيجة تعينهم في مواقع عمل يرون بأنها لا تناسب إمكانياتهم وقدراتهم، أو شعورهم بظلم الإدارة فيما يتعلق بحقوقهم وبترقياتهم الوظيفية .
ولم ينفِ عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية وجود شبهات فساد في المماطلة، يظهر بابتزاز المواطنين واستغلال حاجتهم لسرعة انجاز معاملاتهم، متسائلاً عن غياب أجهزة الرقابة والمحاسبة، لافتاً إلى أن استمرار ذلك يتناقض تماماً مع ما نسمعه وما نقوم به من إصلاح الإداري وما نسمعه عن مكافحة الفساد المخيف!.
بالمختصر، إن الروتين القاتل أو ما يسمى بالمماطلة والتسويف واختلاق الأعذار، المستفحل في المؤسسات الكبيرة والصغيرة بات من أخطر الأمراض التي تشل العمل من خلال تعطيل الإجراءات اللازمة لإنجاز أعمال المواطنين أو المشاريع، لذا بات من الضروري إيجاد القوانين الرادعة وإلا ستفقد المؤسسات هيبتها ومكانتها وتصبح الفوضى بكل أشكالها هي العلامة الفارقة!.