الشاعر القروي (رشيد سليم الخوري) قبل الهجرة عن الوطن وبعدها !.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي
تحليل وآراء
الاثنين، ١٦ مارس ٢٠١٥
بين منتصف حزيران ومنتصف تموز من العام 1913، أنشأ القروي سلماً أسنده إلى جذع صنوبرة منفردة عن غابتها وأعدّ في عبّ الصنوبرة فراشاً علّق في جانبيه عوده وقنديله. كان كل مساء يجيء إلى تلك الصنوبرة، يرتقي السلم إلى الفراش، يعزف ساعة ويطالع ساعة على ضوء القنديل، ثم ينام لتوقظه العصافير مطلع الفجر، فيهبط الصنوبرة ليرتمي في حضن صعيد طيب يقلب عليه جسده تقليباً، ويشمّ حصاه وترابه حسب تعبيره، ويبلّ قلبه الهيمان بمقدار كأس من الندى يترضبها من شفاه أعيشابه، ثم يعدو ساعة في منعرجات جبلية تنحدر به إلى جدول يبتردُ بذوب ثلجه، ويعود الهوينى مجيلاً الطرف بين برّ لبنان وبحره وسمائه.
على هذا النحو من الطقوسية الخاصة تزود القروي بلبنانه قبيل الرحيل عنه ليظل هذا التزود أنيسه في ليالي غربته القابلة الموحشة؛ فقد وصله من عمّه إسكندر (قبطان في الجيش البرازيلي) مبلغ يدعوه به إليه بإلحاح بعد أن كان العم منذ سنوات يرغبه في المجيء إليه والقروي يتردد في هجر الوطن الذي يحب. لكن الأعباء الثقيلة التي نجمت عن رحيل الوالد، والديون التي نجمت عن حيائه من قول (لا) لكل طالب حاجة جعلت القروي يوافق - على مضض – على الاغتراب بأمل العودة إلى الوطن حالماً أن يحصل على ما يبرئ ذمة والده.
في الأول من آب سنة 1913 وقف القروي على الشاطئ ينظر إلى الباخرة التي ستمضي به بعيداً جداً عن الوطن، فنشأ في دواخله صراع ذاتي مرير بين الإقدام والإحجام، بين الجسد والنفس تمثل في قوله:
نصحتك يا نفس لا تطمعي
وقلت حذار فلم تسمعي
فإن كنت تستسهلين الوداع
كما تدعين إذاً ودعي !!
رزمتُ الثياب فَلِم تحجمين
وفيمَ ارْتِعاشك في أضلعي
ألا تسمعين صياح الرفاق
وتجديفَ حوذينا ؟ أسرعي
* * *
خرجت أجرّك جرّ الكسيح
تئنين في صدري الموجعِ
ولمّا غدونا بنصف الطريق
رجعت وليتك لم ترجعي
لئن كنت يا نفس مع من أحب
فلمَ ذا اشتياقي ولمَ أدمعي
أظنك تائهةً في البحار
فلا أنت معهم ولست معي
كفاك اضطراباً كصدر المحيط
قفي حيث أنت ولا تجزعي
سأقضي بنفسي حقوق العلى
وأرجع فانتظري مرجعي.
(يتبع...)
على هذا النحو من الطقوسية الخاصة تزود القروي بلبنانه قبيل الرحيل عنه ليظل هذا التزود أنيسه في ليالي غربته القابلة الموحشة؛ فقد وصله من عمّه إسكندر (قبطان في الجيش البرازيلي) مبلغ يدعوه به إليه بإلحاح بعد أن كان العم منذ سنوات يرغبه في المجيء إليه والقروي يتردد في هجر الوطن الذي يحب. لكن الأعباء الثقيلة التي نجمت عن رحيل الوالد، والديون التي نجمت عن حيائه من قول (لا) لكل طالب حاجة جعلت القروي يوافق - على مضض – على الاغتراب بأمل العودة إلى الوطن حالماً أن يحصل على ما يبرئ ذمة والده.
في الأول من آب سنة 1913 وقف القروي على الشاطئ ينظر إلى الباخرة التي ستمضي به بعيداً جداً عن الوطن، فنشأ في دواخله صراع ذاتي مرير بين الإقدام والإحجام، بين الجسد والنفس تمثل في قوله:
نصحتك يا نفس لا تطمعي
وقلت حذار فلم تسمعي
فإن كنت تستسهلين الوداع
كما تدعين إذاً ودعي !!
رزمتُ الثياب فَلِم تحجمين
وفيمَ ارْتِعاشك في أضلعي
ألا تسمعين صياح الرفاق
وتجديفَ حوذينا ؟ أسرعي
* * *
خرجت أجرّك جرّ الكسيح
تئنين في صدري الموجعِ
ولمّا غدونا بنصف الطريق
رجعت وليتك لم ترجعي
لئن كنت يا نفس مع من أحب
فلمَ ذا اشتياقي ولمَ أدمعي
أظنك تائهةً في البحار
فلا أنت معهم ولست معي
كفاك اضطراباً كصدر المحيط
قفي حيث أنت ولا تجزعي
سأقضي بنفسي حقوق العلى
وأرجع فانتظري مرجعي.
(يتبع...)