الـ”ببجي وشقيقاتها” وباء إلكتروني مخيف.. هل من علاج آمن؟
شعوب وعادات
الجمعة، ٩ أكتوبر ٢٠٢٠
يدفع الإنسان يومياً ضريبة التطور المذهل للتكنولوجيا، قلقاً وخوفاً وتوتراً على مدار الساعة، وخاصة لجهة غزو “الألعاب الإلكترونية” وخطرها المخيف على الأطفال واليافعين، بل وحتى الشباب، نتيجة هوسهم وإدمانهم عليها، وكأنها باتت حاجة ماسة بالنسبة لهم لا يمكن الاستغناء عنها “كالماء والهواء”!
مكمنُ الخطورة في هذه الألعاب، المؤذية جسدياً ونفسياً، هو توفرها بأسعار رمزية وكونها بمتناول الجميع “الغني والفقير”، والأخطر أن رقابة الأهل غائبة عن متابعة أبنائهم لعدم إدراكهم خطورة تلك الألعاب، وما يزيد الطين بلّة أن بعض الآباء يكافئون أبناءهم بشراء أحدث الأجهزة والسماح لهم بتحميلها بما يحلو لهم من تطبيقات وألعاب.
شيء مخيف!
الانتحار، والموت المفاجئ، والعزلة، والسلوك العدواني، والسمنة المفرطة، وضمور العصب البصري.. وغيرها من أمراض، هي النتائج المؤسفة لإدمان تلك الألعاب، وقد تمّ إثبات ذلك بدراسات مؤكدة على مستوى العالم. وتأتي لعبة الـ “ببجي” التي تعني “ساحة المعركة المجهولة” في مقدمة الألعاب الأكثر شعبيةً أو رواجاً بين الأطفال واليافعين، وقد شبّهها البعض بالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر بأية لحظة وتؤدي لموت مفاجئ للأطفال المدمنين أو تدفعهم للانتحار، وضعف السيطرة على النفس وعدم القدرة على التوقف عن ممارسة الألعاب، وهذا ما يُسمّى بمرض “اضطراب الألعاب”، بحسب منظمة الصحة العالمية التي أدرجت هذا المرض ضمن قائمة الأمراض العقلية والنفسية.
الرجل الأسود؟
أيضاً دخلت على الخط لعبة جديدة اسمها “غاليندو” التي يسبّب إدمانها اضطرابات نفسية للأطفال، فبحسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام “أن طفلاً قفز من الطابق العاشر في المبنى الذي يقطن فيه، وبعد تفتيش غرفته عثرت السلطات على رسالة مخيفة تركها لوالديه على الكمبيوتر اللوحي الخاص به”، حيث كتب الطفل في الرسالة “أحبكما أمي وأبي.. يجب أن أتبع الرجل الأسود صاحب الغطاء”، وهذا “الرجل الأسود” ما هو إلا “غاليندو” الشخصية الغامضة في اللعبة، متنكرة في هيئة كلب يشبه البشر يرتدي غطاءً على الرأس، يتحدى الأطفال أن يؤدوا أعمالاً متطرفة وخطيرة بشكل متزايد حتى تصل التحديات حدّ الانتحار!!.
هاجس نفسي وتربوي
يرى الدكتور خالد العمار رئيس قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية بجامعة دمشق أن انتشار الألعاب الإلكترونية الخطرة بين الأطفال في هذه الفترة يشكّل هاجساً نفسياً وتربوياً كبيراً للآباء والمعلمين، نظراً لسرعة انتشارها وإدمان الأطفال عليها وما تسبّبه من آثار خطيرة، حيث تزرع السلوك العدواني لدى الأطفال، إضافة إلى الابتعاد عن الواقع والعيش بعالم خيالي.
كيفية الانتشار
ورداً على سؤال بخصوص آلية انتشار هذه الظاهرة المقلقة بهذه السرعة، بيّن العمار أن الفهم النفسي يشير إلى أنها تنتشر وفق آلية النمذجة أو التقليد والمحاكاة، وهو المبدأ الذي تكلم به عالم النفس الأمريكي ألبرت باندورا. فبحسب هذه الآلية يتعلّم الأطفال من الكبار أو من بعضهم التعاطي مع هذه الألعاب الخطرة التي تؤدي إلى نشوء تربة خصبة للعدوان لدى الطفل، حيث يحاول أن يقلّد ويُسقط ما يراه في الألعاب على رفاقه أو إخوته في المنزل، الأمر الذي يجعله طفلاً غير سويّ ويحتاج إلى إرشاد نفسي، موضحاً أن هذه الألعاب التي يغلب عليها الخيال تجعل الطفل يعيش بعيداً عن الواقع، وبالتالي يعاني من سوء التوافق الاجتماعي، المدرسي والأسري، وهذا بحدّ ذاته اضطراب يستدعي التدخل الإرشادي لمواجهة هذه الحالة.
المؤلم والمحزن
المؤلم والمحزن في الأمر أن الأهل يقدّمون تعزيزاً مباشراً، ربما من غير دراية، لدعم انتشار هذا “الوباء الإلكتروني” بين الأطفال من خلال توفير هذه الألعاب والدعم المادي للحصول عليها، مما يجعل حياة الأطفال عرضة للخطر، فضلاً عن حياة أقرانهم. فقد تنتهي اللعبة بانتحار الطفل، وهنا الكارثة التي يكون قد شارك فيها الوالدان من غير قصد، لكن لجهل بأخطار هذه الألعاب.
كيف العلاج؟
يرى العمار أن هناك إمكانية لتفادي خطر هذه الألعاب، فطالما الطفل تعلّم هذا السلوك من خلال النمذجة والتقليد والمحاكاة، يمكن بالأسلوب نفسه إزالة هذا السلوك الشاذ، وذلك من خلال استبدال هذه الألعاب الخطرة بألعاب مفيدة وواقعية، شريطة أن تحمل في طياتها الإثارة لجذب الطفل إليها وعدم الملل منها، مشدداً على أهمية إشراف الوالدين وليس بمعزل عنهم ليتخلصوا من إزعاج الأطفال، فمسؤولية التربية مسؤولية عظيمة يجب عدم صرف النظر عنها.
الدعم المادي والمعنوي
ومن الأساليب الأخرى الناجعة في العلاج -حسب العمار- تقديم الدعم المادي والمعنوي للطفل عند استخدام الألعاب المفيدة التي تسهم في بناء شخصيته بصورة إيجابية، كزيادة المصروف المادي اليومي للطفل أو الرحلة العائلية كمكافأة له عند التعاطي مع الألعاب المفيدة، أما التعزيز المعنوي فيكون بوضع نجمة للطفل في لوحة النجوم بالمدرسة، أو استخدام الكلمات التشجيعية الطيبة كالمدح والثناء والقبلات والاحتضان وغيرها، وهناك أسلوب آخر يُدعى أسلوب تكلفة الاستجابة، والمقصود به حرمان الطفل من بعض الميزات التي ينالها بالعادة، كالذهاب أسبوعياً إلى الحديقة أو النادي عند تعاطي الألعاب الإلكترونية الخطرة، حتى يقلع عنها لتعود له الميزات السابقة.
الانتباه والحذر
من خلال ما تقدّم نجد أنفسنا كأسرة ومؤسّسات تربوية وثقافية وإعلامية أمام ظاهرة خطيرة لا يمكن تركها تفتك بفلذات أكبادنا ونحن نتفرج عليهم، فالمطلوب الانتباه والحذر من الأهل أولاً من خلال اتباع سياسة تربوية صحيحة في كيفية تعاطي الأبناء وخاصة الأطفال مع هذه الألعاب المدمّرة للنفس والجسد، وأيضاً على المدارس ومن خلال المرشدين والمختصين النفسيين والاجتماعيين توعية الأطفال بمخاطر الألعاب الإلكترونية وتوجيههم لتنمية عقولهم ومهاراتهم بما يعود بالنفع عليهم، وعلى المراكز والمؤسّسات الثقافية والإعلامية أن تُكثر من الحوارات وورشات العمل التوعوية.
بالمختصر.. يجب قرع ناقوس الخطر لمعالجة هذا الإدمان المفرط والمدمّر لعقل الطفل وصحته وصولاً للفشل الدراسي وضياع مستقبله.
غسان فطوم