النساء ونجاة المجتمعات.. بقلم: د. حسن مدن
تحليل وآراء
الاثنين، ٨ مارس ٢٠٢١
تقول الناشطة النسوية والكاتبة الأسترالية جيرميان جرير: «كل المجتمعات التي على حافة الموت هي رجولية.. لا مجتمع يستطيع النجاة من دون النساء». وجرير المولودة في العام 1939، متخصصة في الأدب والمرأة، ولها عدة كتب عن المرأة أثارت اهتماماً واسعاً، بينها كتاب «المرأة كلها» الصادر في العام 1990.
ربما يبدو الجزء الأول من عبارة جيرميان جرير المركبة إشكالياً لدى الكثيرين، فقد يُفهم منه أنها تُحمّل الرجال وحدهم مسؤولية خراب المجتمعات التي أصبحت، بسببهم، «على حافة الموت»، ولكن يمكن تبديد الكثير من اللبس لو قرأت العبارة في سياق أشمل، بحيث لا يفهم منها فقط أن المجتمعات التي على حافة الهلاك محكومة من رجال، وإنما في سياق هيمنة الفكر الذكوري في بنية هذه المجتمعات نفسها، وما ينجم عن ذلك من تهميش وإقصاء للمرأة ودورها.
والفكر الذكوري ليس آفة رجالية فحسب، كما يشي هذا التعبير، فقد تتقمصه النساء أنفسهن، حين يسلمن بما هن عليه من تهميش بوصفه أمراً عادياً، مقبولاً، وفق التقسيم «الجندري» القائم، الذي يجعل المرأة في مرتبة أقلّ من الرجال، وبالتالي يصبح مقبولاً أن المعطى لها من الحقوق أقل من تلك المعطاة للرجل.
ونعود للجزء الثاني من عبارة الناشطة الأسترالية، القائل بأنه «ما من مجتمع يستطيع النجاة دون النساء»، وفي هذه بالذات يجب ألا يختلف المختلفون، فالتجربة الملموسة في كل المجتمعات، ودون استثناء، تظهر أنه بدون دور المرأة الفاعل سواء كانت في موقع القرار أو خارجه، لا يمكن لأي مجتمع لا أن يتقدم فحسب، بل أن يمارس دورة الحياة الطبيعية، معيشياً واقتصادياً واجتماعياً، بدون دور النساء.
اليوم، الثامن من مارس/آذار، هو اليوم العالمي للمرأة، الذي يعدّ من أكثر الأيام العالمية إحياء، وهذا الإحياء يتخطى الحيز الاحتفائي المعهود في مثل هذه المناسبات، كونه ينطلق من خلفيات مطلبية، اجتماعية – سياسية، تتصل بكفاح المرأة من أجل حقوقها، وبهذه المناسبة تشير مشاركات لناشطات نسويات من بلدان عربية مختلفة حواها ملف نشرته شهرية «التقدمي»، إلى أن ما شهدناه من متغيرات اجتماعية وديمغرافية وثقافية أدى إلى انكسار البرامج التحديثية، بما في ذلك ما يتصل بالموقف من قضية المرأة التي كانت مسألة محورية في فكر النهضة العربية.
لكن علينا رؤية الجانب الآخر من الصورة. النساء العربيات لا يستسلمن للصعوبات على شدّتها. إنهن في الخطوط الأمامية للحياة، في جبهات التعليم والعمل وبناء الأسرة وصونها، في زمن الصعوبات والحروب والفتن، «ولا مجتمع يستطيع النجاة بدونهن».