الوجود كما يراه سارتر..بقلم د. اسكندر لوقـا

الوجود كما يراه سارتر..بقلم د. اسكندر لوقـا

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ مارس ٢٠١٢

عُرف الفيلسوف والأديب الفرنسي الشهير "جان بول سارتر" بأنه صاحب العديد من المؤلفات الأدبية التي بقيت وسوف تبقى عالقة في ذاكرة المثقفين اليوم كما في المستقبل. بين أعماله الأدبية سلسلة من الروايات والمسرحيات التي تُرجمت إلى العربية هي : دروب الحرية. الذباب. الأيدي القذرة، موتى بلا قبور. الفتيان. الفاضلة.
وعادة، يتبين قارئ الكتاب أي كتاب يكون مؤلفه في مستوى "سارتر" على سبيل المثال، يتبين هوية المؤلف، كيف يفكر؟ كيف يعيش؟ كيف يقيّم ذاته؟ إلى آخر هذه المنظومة. ويوم أصدر"سارتر" كتابه الموسوم بعنوان "الوجود والعدم" وهو في رأيي أهم مؤلفاته، أوضح لقرائه فلسفته حول الوجودية التي اقترنت باسمه كما هو معروف. وفي إطار نظرته إلى الوجود أوضح أن للوجود وجهين وهما وجود في ذاته ولهذا الوجود ذاتية الأشياء الخارجية، أي إنه وجود لا دخل فيه لإرادة البشر، ووجود آخر هو الوجود لذاته، وهو وجود إرادي يسعى به المرء لتحقيق وجوده أو ذاته.
بهذا المعنى ثمة مسؤولية لا بدّ أن تترتب على الإنسان في سعيه ليكون كما يرغب أو كما يرغب آخرون أن يكون. وبمعنى آخر أن يعمل حفاظاً على هويته أو أن يسخّرها لخدمة الآخر مقابل نفع. وفي هذا السياق، يحق لنا أن نقيّم أنفسنا أو أن نقيّم الآخرين ونحن نشاهد هذه الأيام كيف يسخّر البعض ذواتهم لخدمة من يدفع أكثر مقابل أداء دور لم يخلق أصلاً لأدائه سواء بالترغيب أو الترهيب. ومن هنا سقوط الإنسان في شباك الإغراءات التي تقدم له، وبشتى الطرق، ليكون الآخر في ذاته لا ليكون ذاته في ذاته.
هذه الإشكالية في الوجود الذي لا دخل لإرادتنا في تحديد هويته، لا بدّ أن تعفي صاحبها من المسؤولية باعتبار أنها تكونت بفعل عوامل هي خارج إرادته، كما يُفهم من تعبير "سارتر". بينما الوجه الآخر، أعني الوجه الذاتي الإرادي يحملنا، شئنا أم أبينا، مسؤولية السير في درب لم نحسن اختياره قصداً أم تجاهلاً، لا لجهة تحصين مستقبلنا فحسب بل حتى لجهة تحصين يومنا. من هنا يضع "سارتر" بين أيدينا فرصة لخلاصنا من شعور الإحباط الذي نصاب به حين نختار بوعينا حمْلها على عاتقنا، وقد لا نجد من ثمّ وسيلة تنجينا من تبعات خطأ كنّا قد أقدمنا على ارتكابه.
ولهذه الإشكاليّة أبعادها الاجتماعيّة حُكماً ذلك لأن آثارها لن تنحصر في نطاق البيئة الواحدة أو الأسرة الواحدة التي ينتمي إليها صاحب الوجود الذي يخضعه لإرادته، بل تتخطاها بدافع التقليد حيناً والجهل حيناً آخر، وبذلك تغدو تلك الآثار كما الوباء الساري يتنقل من مكان إلى مكان ويقف الطب عاجزاً أمامه.
إن "سارتر" يضع قارئه في كتابه "الوجود والعدم" أمام حريّة اختيار دربه، ولو بدرجة نسبيّة، ليصير هو في ذاته أن سواه في ذاته. ولا أعتقد أن أحداً، خصوصاً في الوقت الحالي، لا تعنيه هذه الإشكاليّة بحثاً، بالدرجة الأولى، عن ذاته وبالتالي أين هو يقف بالضبط.